في مثل هذا الشهر قبل عشرين عاماً، حين بدأت حرب العراق الكارثية، كان العرب والمسلمون في الولايات المتحدة يعانون من هجوم جورج بوش الابن على حرياتهم المدنية. صحيح أن إدارة بوش لم تكن أول أو آخر من نفذ سياسات تنتهك حقوق المهاجرين العرب والمسلمين، لكن سلوكها كان الأكثر شناعة.

ففي أعقاب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية المروعة، كان هناك قلق عميق من قيام بعض الأميركيين بالهجوم على العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، بينما تحدث الرئيس بوش ضد استهداف العرب والمسلمين وإلقاء اللوم عليهم في جرائم 11 سبتمبر، كانت إدارته تنفذ سياسات فعلت العكس تماماً. وأولاً، جاءت عملية الاعتقال الفوري لآلاف المهاجرين حديثاً من العرب والمسلمين، وكثير منهم رُحلوا بإجراءات تعسفية. وتلا ذلك عمليتا استدعاء وطنيتين، أُمر فيهما أكثر من 8000 مهاجر عربي ومسلم (وبعض المواطنين) بالحضور لإجراء «مقابلات» مع مسؤولي الهجرة.

وبعد ذلك، أطلقت إدارة بوش نظام تسجيل الدخول والخروج الأمني الوطني، وهو برنامج ضخم للتنميط، أي الاستهداف بناء على صور نمطية سلبية، يتطلب من جميع غير المهاجرين الذكور (من الطلاب والزائرين ورجال الأعمال) من عمر 16 عاماً فصاعداً، من أكثر من 25 دولة عربية وذات أغلبية مسلمة (وكوريا الشمالية)، إلى المثول في مكاتب الهجرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة للتصوير وأخذ بصمات الأصابع والاستجواب.

وبكل المقاييس، كان نظام تسجيل الدخول والخروج الأمني الوطني كارثة. فقد كانت فكرته وإدارته سيئتين وكان تنفيذه متعسفاً. وكانت النتيجة فوضى وخوفاً وحياة محطمة. وتفتقر مكاتب الهجرة المحلية إلى الموارد اللازمة للتعامل مع ما يرد إليها من حالات. ولم يتم تزويد الجاليات المستهدفة بالإجراءات بالمعلومات اللازمة لمعرفة متى يجب عليهم المثول.

وافتقر مسؤولو الهجرة إلى إرشادات محددة لإدارة عملية التسجيل. وذهب المئات إلى مكتب لوس أنجلوس في الموعد النهائي الأول، وتم احتجازهم بالجملة لأن المكتب كان يفتقر للقوة البشرية لإجراء مقابلات، وخاف مهاجرون آخرون.

ومما فاقم الخوف ظهور قصص عن رجال صدرت أوامر بترحيلهم على الرغم من سلامة أوراقهم. ونتيجة لذلك، لجأ كثيرون إلى الاختباء، فيما فر آلاف آخرون من البلاد. وفي نهاية المطاف، من بين 160 و180 ألف مهاجر تم طلب مثولهم، لم يمثل أمام مكاتب الهجرة سوى 83 ألفاً وخضع 14 ألفاً منهم لإجراءات الترحيل.

ولأن إدارة بوش رفضت جميع طلبات تقديم معلومات، كل ما نعرفه مستمد من قصص للضحايا أو عائلاتهم أو محاميهم. وتلقى مكتبي مئات المكالمات عبرت عن شدة الكرب، ولم يتمكن مكتبي من العثور على علاج لأن إدارة بوش لم تستجب. وأصبحت صدمتهم تجربة مشتركة.

وبعد 20 عاماً، ما زلنا نشعر بذلك. وإذا كان هدف نظام تسجيل الدخول والخروج الأمني الوطني هو خلق حالة من عدم الثقة بين العرب والمسلمين والحكومة الأميركية أو بث الخوف وانعدام الأمن، فقد نجح في هذا. لكن باعتبارها «أداة أساسية في جعل الولايات المتحدة أكثر أمناً» كما زعمت إدارة بوش، فقد فشلت فشلاً ذريعاً. وأفاد مكتب المفتش العام في عام 2012 أن المسؤولين الأميركيين لم يجدوا «قيمة تذكر في المقابلات التي أجروها مع الأشخاص المدرجين في نظام تسجيل الدخول والخروج الأمني الوطني»، وأن البرنامج «لم يقدم أي منفعة عامة ملحوظة». ولم يصدر البرنامج إدانة واحدة معروفة تتعلق بالإرهاب.

واعتمد فشل البرنامج على أكثر الأساليب فظاظة، وهو التنميط الجماعي على أساس بلد المنشأ. ولم يكن هذا الجهد الأول من نوعه، فقد استخدم الرؤساء نيكسون وريجان وكلينتون وأوباما وترامب مثل هذا التنميط الجماعي. وكانت جميعها معيبة، وأهدرت موارد إنفاذ القانون وقلصت الثقة لدى الجاليات التي استهدفتها الإجراءات. ولم يؤد أي منها إلى جعل أميركا أكثر أماناً. وقرب نهاية سنوات بوش، كان حتى كبار مسؤولي الإدارة يعدون بإنهاء البرنامج. ولم يفعلوا.

وأوقفت إدارة أوباما الثانية البرنامج في عام 2011، وأزالت 25 دولة خاضعة لمتطلبات التسجيل الخاصة، لكنها لم تنه البرنامج رسمياً إلا في ديسمبر 2016، قبل أن يتولى دونالد ترامب منصبه مع تهديده بحظر دخول المسلمين للبلاد. وعلى الرغم من إزالة الرئيس أوباما للإطار التنظيمي لنظام تسجيل الدخول والخروج الأمني الوطني، لكن البيانات حول المدرجين في البرنامج مازالت في قواعد بيانات حكومية مختلفة. ونتيجة لذلك، بوسع جهات إنفاذ القانون المحلية والاتحادية الاستفادة من قاعدة بيانات وطنية للزوار العرب والمسلمين واستخدامها للتحرش بهم وترهيبهم ومراقبتهم.

وبعد عشرين عاماً من هجوم بوش الابن على الحريات المدنية، حان الوقت لإدارة بايدن لدفن نظام تسجيل الدخول والخروج مرة واحدة وللأبد، من خلال حظر التنميط في جميع أشكاله أخيراً.

وإلى أن يحدث هذا، ستظل تلك الصورة النمطية السلبية عن العرب والمسلمين قائمة، بمن فيهم الأميركيون العرب والمسلمون الأميركيون. كما أن البرامج التمييزية مثل نظام تسجيل الدخول والخروج الأمني الوطني لم تجعلنا أكثر أماناً. لقد جعلتنا أقل حرية فحسب.

*رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن