أَهَل علينا عيد الفطر وعالمنا العربي في حالة بين بين، بمعنى أن أوضاعه تنطوي على أبعاد إيجابية وأخرى سلبية في آن واحد، ومن حق كل مواطن عربي أن يحلم بتعزيز ما هو إيجابي في هذه الأوضاع وتقليص ما هو سلبي فيها، وتَسِم هذه الحالة الوسطية الأوضاع العربية على المستويات كافةً، من المستوى المحلي إلى العربي فالإقليمي وصولا إلى المستوى العالمي. فعلى الصعيد المحلي الداخلي في الدول العربية نجد أن هناك دولا مستقرة سياسياً ومزدهرة اقتصادياً بينما توجد دول أخرى تعاني من عدم استقرار ظاهر يبدأ بغياب القدرة على التوصل لصيغة الوحدة الوطنية وتحقيق وفاق وطني يساعد على تأسيس نظام حكم مستقر يُمَكّن من الانطلاق إلى تحقيق الأهداف الوطنية، وينتهي بالسقوط في شَرَك الصراعات المسلحة بين القوى المتناحرة. 

وعلى الصعيد العربي توجد نماذج ناجحة لعلاقات عربية ثنائية وجماعية، فيما يخيم التوتر والقطيعة أحياناً على العلاقات بين دولتين عربيتين أو أكثر، ناهيك بعجز بعض أبعاد العمل الجماعي العربي. كما أن معضلة عودة سوريا إلى الجامعة العربية ما زالت تراوح مكانَها رغم التقدم الملحوظ الذي حدث مؤخراً في الاتصالات بين سوريا والعديد من الدول العربية. وعلى الصعيد الإقليمي من الواضح أن انفراجة جوهرية قد تحققت في علاقات الدول العربية بقوى محيطها الإقليمي، وهو تطور من شأنه أن يساعد على تسوية الصراعات الراهنة في المنطقة العربية، كما نتابع الآن في التحركات الجارية في هذا الاتجاه، وإن لم تثمر هذه الانفراجة شيئاً حتى الآن بالنسبة للقضية الفلسطينية.
أما على الصعيد العالمي فقد نجحت الدول العربية في مجملها في تبني نهج متوازن مستقل يراعي المصالح العربية قبل أي شيء آخر تجاه الحرب الناشبة في أوكرانيا. صحيح أن هذه الدول لم توافق على لجوء روسيا للخيار العسكري، لكنها لم تشارك في العقوبات عليها، وواصلت علاقاتها معها، وحاولت التوسط بين الطرفين المتحاربين، ورفضت أن تبني قراراتها الاقتصادية وفقاً لحسابات القوى المتصارعة وإنما بناءً على الاعتبارات الاقتصادية وحدها، وواصلت تعميق علاقاتها مع روسيا والصين، وهو ما يفتح الباب للأمل في دور جديد تضطلع به المجموعة العربية في التفاعلات التي سيتشكل بموجبها نظام دولي جديد. غير أن الحرب في أوكرانيا أدت من ناحية أخرى إلى مصاعب جسيمة طالت معظم الدول العربية بسبب اعتمادها الواسع على استيراد القمح من طرفي الصراع.
ليس العرب وحدهم من تتراوح أحوالهم بين ما هو إيجابي وبين ما يُصَنف بسهولة في فئة الأوضاع السلبية بدرجات متفاوتة، بل إن هناك مناطق أخرى في العالم تشهد أوضاعاً أكثر سلبية أو تنطوي على احتمالات تفجر أزمات خطيرة، لكننا نطمح بالتأكيد إلى علاج مواطن الضعف ومكامن الخلل في أوضاعنا، وبعض هذا العلاج يبدو ميسراً ولو نسبياً، وفي مقدورنا اتخاذ ما يلزم لإنجازه، وبعضه الآخر لا نمسك بجميع خيوطه.. فلنفعل أقصى ما في وسعنا لتبني الحلول التي نُمسك بخيوطها ولتذليل العقبات التي تعترض الحلول الأخرى. ولعل القمة العربية التي اقترب موعدُها تكون قادرةً على تحقيق اختراق محمود في اتجاه حل مشكلاتنا المستعصية.

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة