تعتبر وكالة فيتش أولى ثلاث وكالات دولية كبرى للتصنيف الائتماني، إلى جانب كل من ستاندر آند بورز وموديز. ويتمثل النشاط الرئيسي لوكالة فيتش في تقييم قدرة الدول على سداد ديونها من خلال منحها درجات على هيئة حروف تعبِّر عن حالة أو مستوى معين. وتعتبر درجة «إيه إيه إيه» الأفضل، أي ائتمان بجودة قصوى، وتُعتبر درجة «سي» أو «دي» الأسوأ، وتشير إلى احتمالية التخلّف عن السداد.
ومنذ أيام، أعلنت وكالة فيتش في بيان خفض درجة فرنسا للتصنيف الائتماني إلى -AA، فيما أبقت على تصنيف المغرب عند «‭BB‬+» مع نظرة مستقبلية مستقرة. 
ويأتي القرار بشأن فرنسا على خلفية التوتر الاجتماعي حول إصلاح نظام التقاعد. وجاء في بيان للوكالة بهذا الشأن أن الجمود السياسي والحركات الاجتماعية يشكلان خطراً على برنامج الرئيس ماكرون للإصلاح. 
وقبل شهر ونصف، تبنت الحكومة الفرنسية بشكل نهائي مشروعها لإصلاح نظام التقاعد، وأدى هذا القرار إلى تصاعد الاحتجاجات وإلى أيام من المظاهرات الاحتجاجية الحاشدة في جميع أنحاء البلاد.
أما بالنسبة للمغرب، فقد قالت الوكالة إن تصنيفه عند «BB+» يعكس سجلاً من سياسات الاقتصاد الكلي السليمة والإطار المؤسسي الذي دعم المرونةَ في مواجهة الصدمات. كما ذكرت أن التصنيف يعكس أيضاً تكوين مستوى دين ملائم، بما في ذلك حصة معتدلة من ديون العملة الأجنبية في ديون الحكومة المركزية. وهذا بالإضافة إلى مخزون السيولة الخارجي المريح.
المغرب يحصد ما زرعه من سياسات اقتصادية دقيقة، ومن انفتاح على محيطه الإفريقي والعربي والجهوي، هذا الانفتاح القائم على مبدأ «رابح-رابح».. علاوة على إدماجه لكل الفاعلين في المجال السياسي العام، وعمله على تثبيت الثقة كقاعدة للحكم ولعلاقة الدولة مع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والمجتمع المدني. 
أما ما يحدث في فرنسا فشأن آخر، ومن أراد أن يعرف سر ذلك فعليه أن يقرأ كتابات إيمانويل تود Emmanuel Todd الأخيرة، إذ يشرح مبدأ التسامي الفرنسي، وبخاصة تسامي الطبقات الغنية على الدولة والمؤسسات والأفراد وباقي الطبقات، وهي التي كانت في الماضي تعارض الثورة الفرنسية. وبحسب «تود» فإنه بسبب هذا التسامي الأيديولوجي والطبقي والمجتمعي، أصبحت فرنسا اليوم تعاني حزمةً من الأزمات المستعصية: أزمة اليورو، الدَّين العمومي، تبعات الأزمات الاقتصادية، أزمات مجتمعية خطيرة، كما أن هناك أزمة مؤسسات في فرنسا.. وهي نفس الأعراض التي كتب عنها علماء التاريخ إبان الثورة الفرنسية لعام 1789. 
الدولة في تلك الفترة، كما هي اليوم تقريباً، لم تعد قادرة على إحداث التوازن المالي، مع فارق بسيط هو أنه في تلك الفترة كانت الدولة تحت رحمة المستفيدين من اقتصاد الريع الذي يشكل المصدر الرئيسي لإيرادات خزينة الدولة.. أما اليوم فالدولة تخضع سياسياً لنخبة من السياسيين. وحسب العديد من المحللين، فهناك خشية من أن يتسبب هذا الوضعُ في تقويض السلم المجتمعي داخل البلد. 

*أكاديمي مغربي