بعض المثقفين يطرحون دوماً وحتى اليوم مفهوم «ما بعد الصحوة» وهذا طرح غير دقيق، لقد كانت العقود الثلاثة الماضية عصيبة، الموجة الراديكالية التي عمّت العالم الإسلامي بعد الثورة الخمينية ألقت بظلالها الكئيب على تفاصيل الحياة، إذ بات الواقع ميداناً للانتقام المتبادل، امتلأت النفوس بالحسرات، والرغبة بالتوبة من المباحات، قُصفت البيوت ليلاً ونهاراً بالأشرطة والمطويّات، تخلص الناس حتى من صور ذكرياتهم، وإنْ سمع المرء مقطعاً من أغنية عابرة بالراديو، فإن الوساوس كفيلة بهدّ كاهله. 
لقد كانت المباحات تنقض ظهر الإنسان، كل شيء حُرّم تقريباً، باستثناء ما يبيحه دعاة تسيّدوا المشهد، واختطفوا المجتمع، واكتسحوا المنابر واحتلوا الواقع بأكمله، وغدا الصالح من يزينونه هم، والطالح من يعادونه. لقد قُضي على الحياة تماماً، وقد كان لقلةٍ غرباء من المثقفين والكتاب أدوارهم المتحدية لأولئك وذلك من خلال الكتب والروايات والصحف، قادوا مقاومةً نصرُها مستحيلٌ أمام جيوش الكراهية وسدنة الحرام، حتى نالهم من التكفير والتضييق ما نالهم فما وهنوا وما استكانوا، حتى جاء الأثر السياسي التاريخي.

من أبرز أسباب تسيّد الحالة «الصحوية»، حركة جهيمان في 20 نوفمبر 1979. صحيح أنها ضُربت على مستوى الخليّة والتنظيم، لكن لم يكن هناك «اجتثاث» مباشر على النحو الذي قام به الملك عبد العزيز بمعركة السبلة في 30 مارس 1929. 
الفرق في الأولى أنها لم تُجتَث من أصلها ولم يتم سحق أفكارهم بشكلٍ قوي، ذلك أن الظاهرة الراديكالية تعيد صنع نفسها كل ثلاثين سنة، ومن دون استعدادٍ سياسي لسحق الظاهرة مع جذرها فإن بعض أفكارها قد تنتشر، وبعض أتباعها قد يتسيدون، كما أن الخطأ الخطير أن أُعطيت حرية لأولئك الدعاة، وباستثناء أحداث عام 1994 حين تم القبض على دعاة التطرف وإيداعهم السجن، لم يكن هناك جهد رسمي حقيقي لتحرير الواقع من قبضة الصحوة.
ثم إن الاعتماد على عاملٍ واحدٍ لمسببات انضمام الأصوليين للجماعات المقاتلة وممارستهم للعنف يحتاج إلى مسح وجرد للشخصيات والقادة، غير أن مثل هذا المسح لاستجلاء جامعٍ معرفي أساسي غالب عليهم لم يتم، وآية ذلك أن المجتمع المتطرف متنوع بمرجعيات المنتمين إليه، فالقيادي الأميركي اليمني بـ«القاعدة» أنور العولقي يختلف في تكوينه الأيديولوجي عن زميله إبراهيم الربيش، ومثل ذلك اختلاف مرجعية يوسف العييري عن عبدالعزيز المقرن.
من أولئك من تكوّن في بيئة الصحوة الإسلامية (السرورية) ومنهم من جاء من الخلايا «الإخوانية»، والبعض من السلفية المحضة، وعليه فإن البحث عن عاملٍ يشمل الغالبية بالطريقة التي بني عليها تحليل «علموية الإرهابيين» واختصاصاتهم بالعلوم الطبيعية يحتاج إلى مناقشة ومحاججة.
الخلاصة أن القضاء على «الإسلاموية السياسية» يجب أن يكون مصحوباً بمنظومة فكرية عميقة تجتث أسسها وأن تجتمع مع العوامل الأمنية برامج اجتماعية وثقافية محكمة.
*كاتب سعودي