التقارب بين أكبر دولتين في الشرق الأوسط سيكون له آثار دائمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وبقية العالم، وهو بمثابة رسالة لباقي دول المنطقة والعالم بأن التوترات في الشرق الأوسط ستكون أمراً من الماضي، وأن الانقسام المذهبي بين الدولتين، الذي يعود إلى القرن السابع الميلادي، لن يقف حائلاً دون فتح صفحة جديدة من العلاقات.

ومع قيام المملكة العربية السعودية وإيران بتحسين علاقاتهما، اتضح جلياً تأثير الصين المتزايد على المسرح العالمي وتحدي دور الولايات المتحدة كقوة عظمى في العالم لسنوات، ونجاحها في تأمين الاتفاقية يضعف موقف الولايات المتحدة في المنطقة، وهي التي تربطها علاقات طويلة الأمد بين مد وجزر مع الطرفين، وإنْ كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران متوترة منذ عقود وتحديداً بعد الثورة الإيرانية عام 1979، فهذا جعل من المستحيل على الولايات المتحدة ترتيب مثل هذه الصفقة بين القوتين الكبيرتين في الشرق الأوسط، وهي إشارة واضحة لتنامي مشاركة الصين في المشاركة الدبلوماسية في الشرق الأوسط في الوقت الراهن وفي المستقبل القريب والمتوسط والبعيد.
تحسين العلاقات السعودية - الإيرانية سيلعب دوراً مهماً في تمهيد الطريق لاتفاقيات دولية أخرى في المنطقة يعتقد أنها مستحيلة، وإبرام اتفاقيات أخرى كان المجتمع الدولي يأمل في أن ترى النور، وخاصةً فيما يتعلق بالتعامل مع الجانب الإسرائيلي، مما يتطلب تغييراً حتمياً في المعطيات الحرجة الداخلية في الكثير من الدول في المنطقة ليصبح المستحيل حقيقةً.

وهذا التقارب السعودي - الإيراني سيكون ورقة ضغط كبيرة على اللاعبين الدوليين المؤثرين، وخاصةً في الاتفاقيات الاقتصادية والمالية والأمنية والدبلوماسية والبرامج النووية السلمية، وتقليل القيود على مبيعات أحدث وأكثر الأسلحة تطوراً والتقارب المعرفي والتقني.

ومن جانب آخر سيساعد هذا التقارب في إنهاء الحرب باليمن وعودة بعض الدول في المنطقة للحاضنة العربية، وستتوفر للصين فرصة ذهبية للدخول الكبير في المناطق المتنازع عليها بين قوى المنطقة، فضلاً عن مبادرة الأمن العالمي لبكين التي تقترح نظاماً أمنياً عالمياً بديلاً، لا سيما أن الصين أصدرت وثيقة حول تصورها للأمن العالمي.
وبخصوص الشرق الأوسط اقترحت الصين إطاراً جديداً للأمن في المنطقة وإعادة النظر في حوار إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، والتوجهات المستقبلية نحو تعزيز الأمن الشامل وكذلك الأمن التعاوني من خلال التعاون بدلاً من المنافسة، ولربما بيّن هذا الاتفاق آفاق إعادة تنظيم للقوى العظمى في المنطقة، أم أن هذا مبالغ فيه أكثر من اللازم في الوقت الحاضر؟
الدول المجاورة للشرق الأوسط هي جزء أصيل من تلك المعادلة، وهي تعلم أن التوترات تقلّل من رغبة الناس في الاستثمار والتجارة في المنطقة وتمنع الناس من تعزيز روابطهم الاقتصادية والتجارية، وسنرى نهج الهند الواضح تجاه صراعات المنطقة، والذي سيكون ضرورةً حتمية أكثر من كونه خياراً مطروحاً، وأهمية وجود «ناتو» خاص بالمنطقة لتقنين تفاعل العوامل النظامية والمحلية الدولية، والتكيف المشترك مع السياق الخارجي المتغير والاستفادة القصوى من مزايا دول المنطقة المتنوعة، وفرض واقع عالم متعدد الأقطاب في النظام الدولي، حيث يمكن سماع أصوات المنطقة من محيط السياسة الدولية إلى المركز، وبالتالي المساهمة الفاعلة في القطبية التعددية والتسامح الديني، مما سيعزز المسار الودي للعلاقات السعودية - الإيرانية.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات