بدأ التصعيد العسكري في الأزمة السودانية منذ 15 أبريل المنصرم، وسط وضع داخلي يتسم بالانقسامات والصراعات الداخلية بين القوى السياسية، بما في ذلك تيارات الإسلام السياسي وضمنها تنظيم «الإخوان» الذي يتلون كالحرباء في بيئة وجدها مناسبةً له، خاصة بسبب الفوضى السياسية والأمنية التي تخدمه أكثر من غيره، ولذا فهو يدعمها ويعمل على تأجيجها بكل الوسائل.
موقف دولة الإمارات من الأزمة السودانية هو ما عبّر عنه سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة في يوم 30 أبريل المنصرم، في اتصال هاتفي مع الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في جمهورية السودان الشقيقة، مؤكداً سموه حرصَ دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات السياسية السلمية الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان الشقيق بما يسهم في تعزيز استقراره وأمنه ويحقق تطلعات شعبه إلى التنمية والرخاء.
أما على الصعيد الدولي فحذّر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان من أن الأزمة الإنسانية هناك توشك أن تتحول إلى «كارثة شاملة»، وأن امتدادها إلى دول أخرى يشكل مبعث قلق كبير. فيما رحب أعضاء الآلية الثلاثية (الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية والأمم المتحدة)، وكذلك اللجنة الرباعية (تضم كلاً من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية) بالإعلان الصادر عن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بتمديد وقف إطلاق النار الحالي لمدة 72 ساعة إضافية. ودعت هذه الجهات جميعاً إلى تنفيذ الهدنة والتقيد الكامل بوقف إطلاق النار المعلن، كما طالبت بحوار عاجل من أجل التوصل إلى وقف دائم للأعمال العدائية ولضمان وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق.
هل هناك تقاطع بين إخلاء كابل في أغسطس 2021 الذي تهيأت عقبه أميركا لروسيا في أوكرانيا، وبين الإخلاء الدولي للخرطوم؟ وهل هناك الآن مَن يريد إشغال أميركا في أزمة السودان بالنظر لموقعه على البحر الأحمر وقربه من باب المندب وتماسه مع بعض مناطق التوتر في أفريقيا؟ لا شك في أن أميركا وبعض دول أوروبا مهتمة بالوضع في السودان وتراقبه عن كثب، وأن هناك مَن يهدف إلى توريط دول عربية في هذه الأزمة.
تحاول أميركا تعزيز استعادة نفوذها في أفريقيا من خلال استضافة القمة الأميركية الأفريقية وتقديم الوعود الاقتصادية والأمنية لدعم دول القارة، خاصة بعد تزايد النفوذ الصيني هناك. وهذا فيما بدأت روسيا تجد لها مناطق نفوذ في القارة، حيث أصبحت لها قواعد عسكرية في مالي وأفريقيا الوسطى والقرن الأفريقي.
وتتنافس القوى الثلاث، أميركا وروسيا والصين، على أفريقيا بثرواتها الطبيعية من معادن مثل الذهب واليورانيوم، فضلاً عن سوقها الكبيرة. وتعتمد الصين على استثماراتها الضخمة في أفريقيا، إلى جانب امتلاكها قاعدةً عسكرية في جيبوتي القريبة من السودان والمطلقة على القرن الأفريقي.
ومع هذا الاهتمام الدولي والأممي بالسودان وأزمته الحالية، يبقى من الأفضل لقادته تجنب وضعه تحت طائلة قرارات الأمم المتحدة، على غرار ما حدث لليبيا وسوريا واليمن.. بالسعي إلى حلول سلمية فورية توقف الخطر الذي يتهدد البلاد.
والحل الأنجع والأفضل هو أن تلتقي إرادات الدول الإقليمية والعالمية على إيجاد مخرج من الأزمة الحالية، وكلما استطاع العالَم الإسراعَ بإيجاد هذا المخرج قلّت احتمالات تحول المواجهات الحالية إلى حرب أهلية واسعة تأكل الأخضر واليابس في بلد منهك أصلاً.

*سفير سابق