قبل بضعة أسابيع، أعطى أحدُ أشهر المثقفين العامين الفرنسيين، برنار هنري ليفي، حواراً لصحيفة «نيويورك تايمز» حول فيلمه الوثائقي «سلافا يوكريني» وقال شيئاً ساعدني على فهم لماذا ما زلتُ، وأنا أقترب من ذكرى ميلادي السبعين، أرغب في أن أكون صحافياً. 
فحين سُئل لماذا اختار، في سن الـ74، المخاطرة ومراوغة القذائف في أوكرانيا لينقل للجمهور ما يدور في الحرب، قال ليفي: «في أوكرانيا، انتابني شعور لأول مرة بأن العالم الذي أعرفه، العالم الذي نشأتُ فيه، العالم الذي أريد أن أتركه لأطفالي وأحفادي، قد ينهار». 
والواقع أن لدي الخوف نفسه تماماً. 
ولهذا كان تركيز مقالاتي هذه الأيام ضيقاً جداً. فهناك ثلاثة أشياء لا يمكن السماح بحدوثها أبداً: فإسرائيل لا يمكن السماح لها بأن تتحول إلى نظام سلطوي، وأوكرانيا لا يمكن السماح بسقوطها، ودونالد ترامب لا ينبغي أن عودته للبيت الأبيض مرة أخرى. 
ولو حدثت هذه الأشياء الثلاثة كلها، فإن العالم الذي أريد أن أتركه لأطفالي وأحفادي يمكن أن ينهار تماماً. 
ذلك أن إسرائيل، الديمقراطية التعددية الناجحة الوحيدة في الشرق الأوسط، التي يحكمها حكم القانون، وإن كانت غير مثالية ولا تخلو من عيوب، ستضيع. 
والاتحاد الأوروبي – الولايات المتحدة الأوروبية، والمركز العالمي العظيم الآخر متعدد الإثنيات للأسواق الحرة والأشخاص الأحرار وحقوق الإنسان – سيكون تحت رحمة روسيا. 
والولايات المتحدة الأميركية لن تظل أبداً كما كانت، مع وصول ترامب الساعي للانتقام إلى البيت الأبيض مرة أخرى، والمستفيد فعلياً من عفو عن هجماته العديدة على مؤسساتنا الديمقراطية وهجومه على نزاهة انتخاباتنا. وحينها سيكون ترامب متحرراً من القيود – وهي فكرة مخيفة للغاية. 
هذه هي العدسات التي أريدُ أن أعلق من خلالها على إعلان جو بايدن يوم الثلاثاء اعتزامه الترشح لإعادة الانتخاب، مصحوباً مرة أخرى بكمالا هاريس. والأكيد أن قدرة بايدن على إنهاء ولايته الحالية والإبحار بنجاح عبر ولاية أخرى أساسي لكل السيناريوهات الثلاثة المذكورة أعلاه. ولهذا، الآن وقد أعلن اعتزامه الترشح، ينبغي على بايدن الفوز بكل تأكيد. 
غير أنه لئن اعتقدتَ أن انتخابات 2024 ستكون شبيهة جداً بانتخابات 2020 على الأرجح، فإن ذلك ليس هو واقع الحال بالنسبة للديمقراطيين. فهذه المرة، ستكون رفيقة بايدن في السباق مهمة حقاً. 
يُقال لنا دائماً إن الناس، في نهاية المطاف، يصوّتون للمرشح لمنصب الرئيس، وليس لنائب الرئيس. ولكن لأن سن بايدن سيكون 86 عاماً في نهاية ولاية ثانية – فإنه سيُطلب من الناس التصويت بالقدر نفسه لنائبة الرئيس، ربما أكثر من أي انتخابات أخرى في التاريخ الأميركي. 
أحدث استطلاعات الرأي في موقع «538» وجد أن 51.9% من الأميركيين غير راضين عن أداء هاريس، بينما 40% راضون عنه، وهي الأرقام نفسها تقريباً كما في حالة بايدن. 
ودعوني أكن واضحاً هنا: لقد صوّتُ لبايدن، وأنا راضٍ عن أدائه تمام الرضا. إنه رجل طيب، ورئيس جيد، وأفضل من الأرقام التي تمنحه إياها استطلاعات الرأي. فالتحالف الغربي الذي أنشأه وحافظ عليه للرد على الهجوم الروسي على أوكرانيا عبارة عن درس نموذجي في إدارة التحالفات والدفاع عن النظام الديمقراطي في أوروبا. وما على المرء إلا أن يسأل بوتين. 
والطريقة التي أخبر بها بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه لا ينخدع بما يوصف بـ«انقلاب» نتنياهو القضائي الذي يتنكر في ثوب «إصلاح قضائي» - ولن يتجاهله – كانت مصدر تشجيع لمئات الآلاف من الإسرائيليين الذين خرجوا ويخرجون إلى الشوارع للدفاع عن ديمقراطيتهم. 
وفي ما يتعلق بالمواضيع الديمقراطية التي أُوليها شخصياً أكبر قدر من الأهمية – إعادة بناء البنية التحتية لأميركا، وضمان الزعامة الأميركية في صناعة الرقائق الإلكترونية المتطورة التي ستغذي عصر الذكاء الاصطناعي، وتحفيز قوى السوق لتحقيق النطاق الضخم للطاقة النظيفة التي نحتاجها للتخفيف من أسوأ تأثيرات تغير المناخ – يمكن القول إن ما حققه بايدن فاق أعلى آمالي. 
ولكنني واعٍ تمام الوعي بأن الكثير من الأميركيين لا يشاطرونني الرأي. وأدركُ أن قرابة الـ30% من«الجمهوريين» الذين يناصرون ترامب بإخلاص لا يمكن الوصول إليهم على الأرجح، وألا شيء مما يمكن أن يقوله بايدن سيغيّر موقفهم. غير أنهم ليسوا هم من سيقررون الانتخابات المقبلة ويحسمونها. 
فكما أفاد موقع «أكسيوس» الإخباري في 17 أبريل، فقد وجد «استطلاع رأي لمركز«غالوب» في مارس أن «49% من الأميركيين يعتبرون أنفسهم مستقلين سياسياً. 
وهذا يعني أن هناك الكثير من المحافظين المعتدلين والمستقلين الذين لن يصوّتوا لترامب أو لن يفضلوا التصويت له مرة أخرى. وقد أظهر ذلك عدد كافٍ منهم في انتخابات 2022 النصفية حين منعوا كل أنصار ترامب تقريباً الذين ترشحوا لمناصب في الولايات وعلى الصعيد الوطني من الوصول إلى السلطة. فأصواتهم ساهمت في إنقاذ ديمقراطيتنا. 
وإذا انحصر سباق 2024 في مواجهةٍ بين بايدن وترامب مرة أخرى، فإننا سنحتاج إلى ظهور أولئك المستقلين والجمهوريين المعتدلين مرة أخرى. ولكن هذه المرة، ستكون نائبة الرئيس بايدن ذات أهمية أكبر بكثير في أذهانهم بسبب سنّه وإمكانية عجزه عن إكمال ولاية ثانية. 
وبالنظر إلى حجم الرهانات، ينبغي على بايدن أن يقنع حزبه ويشرح له – والأهم من ذلك، للمستقلين والمحافظين المعتدلين – لماذا تُعتبر هاريس أفضل خيار لشغل المنصب الرئاسي، في حال لم يستطع إتمام ولايته. إذ لا يمكنه تجاهل هذا الموضوع، لأن ذلك السؤال سيكون حاضراً في أذهان الكثير من الناخبين حين يأتي موعد الانتخابات. 
وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تنخرط هاريس في الشرح والإقناع بجدارتها أيضاً عبر إظهار ما تستطيع فعله. 
كونوا على يقين. إن منصب نائب الرئيس سيكون مهما حقاً في انتخابات ستكون مهمة حقاً، لأنني لا أريد أن يفوز بايدن في هذه الانتخابات بـ50.1%. وأريدها أن تكون رفضاً كبيراً للترامبية وسياسة التقسيم. وأريدها أن تبعث برسالة قوية حول العالم مفادها أن هناك أميركيين أكثر بكثير على يمين الوسط ويسار الوسط، وأشخاصاً أكثر بكثير مستعدون للعمل معاً من أجل المصلحة العامة، من الكارهين والمقسِّمين. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2023/04/25/opinion/kamala-harris-joe-biden-2024-reelection.html