مع احتدام الحرب في أوكرانيا، ومع احتمال أن تبدأ قوات كييف هجوماً كبيراً في أي وقت، يواجه طرفا الصراع نقصاً في الذخيرة والمكونات الإلكترونية والأسلحة الموجهة بدقة وحتى الأسمنت. وفي حين أن الغرب لديه قدرة إجمالية أكبر إلى حد كبير على تقديم ضرورات القتال، فقد بدأت تظهر مشاكل في سلسلة التوريد التجارية العالمية.
قد لا يكون «هجوم الربيع» الحقيقي باستخدام الدبابات والمدرعات، لكنه رفع إنتاج الأسلحة في مصانع الدول الديمقراطية المؤيدة لأوكرانيا. ما الذي يجب أن تفعله بشكل جماعي للتأكد من حصول الأوكرانيين على ما يحتاجون إليه؟ وماذا سيكون التأثير على سلاسل التوريد العالمية الأوسع؟
بصفتي القائد العسكري لمنظمة حلف شمال الأطلسي منذ أكثر من عقد من الزمان، كنت غالباً ما أتعمق في اللوجستيات وسلاسل التوريد، بينما كنت أفكر في عملياتنا القتالية في أفغانستان والبلقان وليبيا والقرصنة المضادة. وقد شعرنا بالارتياح لأن القاعدة الصناعية الدفاعية الغربية الشاملة - التي تدعم أكثر من 1.2 تريليون دولار من الميزانيات العسكرية الجماعية لدول الناتو الـ 31 - يمكن أن تتعامل مع هذه الصراعات بسهولة نسبية.
لكن ما جعلني أشعر بالتوتر قبل عقد من الزمن هو احتمال نشوب صراع بين القوى العظمى في أوروبا - لا سيما اندلاع صراع محتمل مع الاتحاد الروسي. في حين أن الحلفاء الديمقراطيين يتمتعون بقدرة هائلة وميزة امتلاك مخزون (إجمالي ميزانية الدفاع الروسية أقل من 70 مليار دولار، وهو عُشر ما يملكه حلف شمال الأطلسي في أفضل الأحوال)، فإن الروس لديهم قاعدة صناعية مختصة، والكثير من المواد الخام، ويمكنهم الاعتماد على العمالة المجندة لتولي تشغيل الآلات في مسابكهم ومصانعهم.
وبينما خرج «الناتو» من أفغانستان منذ أكثر من عام، فإن الاحتياجات الضخمة لأوكرانيا تدفع التحديات في توفير المواد للعمليات القتالية بمستوى لم أتوقعه. إن الحاجة إلى المكونات الإلكترونية على وجه الخصوص - لبناء أسلحة دقيقة التوجيه، وطائرات من دون طيار متطورة، وصواريخ كروز مضادة للسفن، وما يسمى بقذائف المدفعية الذكية - آخذة في الازدياد. وعلى الرغم من تباطؤ الاقتصاد العالمي، تتنافس الشركات المدنية مع الجيوش الغربية على رقائق أشباه الموصلات الحاسمة، لا سيما الرقائق عالية الجودة التي يتم إنتاجها إلى حد كبير في تايوان.
يشعر مصنعو السيارات الغربيون ومنتجو المعدات الثقيلة، من «كاتربيلر» إلى جنرال موتورز، بالأزمة. وبدأ الأسمنت، الذي يزداد الطلب عليه في الولايات المتحدة لتنفيذ مشاريع البنية التحتية، يصبح نادراً حيث تتزايد احتياجات الحرب الأوكرانية لإعادة الإعمار.

يحاول عدد من التحليلات ومحاكاة الحرب تحديد المناطق الحرجة، حيث تعد البنادق والصواريخ والذخيرة - وخاصة قذائف الهاوتزر - هي الأكثر إثارة للقلق. ومن الملاحظ من بين المخزونات التي نفدت قذائف المدافع من عيار 155 ملم التي برزت كوسيلة هجومية رئيسية للأوكرانيين. يعتقد العديد من المحللين أن أوكرانيا تستهلك شهرياً من هذه القذائف ما يعادل إنتاج الولايات المتحدة في عام.

بينما ستستمر وزارة الدفاع في حماية احتياطياتها الحربية، فإن مستويات التسلح الزائدة - المخزنة لحالات الطوارئ التي تتجاوز الاحتياجات الأساسية لخطط الحرب الأميركية - منخفضة للغاية. وهي ليست مجرد قذائف هاوتزر، لكن صواريخ هيمارس HIMARS عالية الأداء غير متوفرة أيضاً، على سبيل المثال.

تعمل القاعدة الصناعية الدفاعية على تكثيف الإنتاج، وتحاول محاكاة ما فعله المجمع الصناعي الأميركي في بداية الحرب العالمية الثانية. كما أوضح بول كينيدي المؤرخ في جامعة «يل» في كتابه الرائع، «مهندسو النصر»، حول التكنولوجيا والتنظيم والإنتاج الحربي الذي قلب المد في الحرب، وفي النهاية تفوق الحلفاء على دول المحور في الإنتاج.
في حين أننا بعيدون عن التعبئة الكاملة التي حدثت في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، فإن كلاً من الدفاعات الأولية الكبيرة والعديد من المنتجين الأصغر لأنظمة التكنولوجيا الفائقة (لا سيما الطائرات من دون طيار) يبتكرون بسرعة وينتجون ما سيحتاجه الأوكرانيون في الأشهر المقبلة. ولكن مع زيادة الطلبات الجديدة، ظهرت مشكلة أخرى: النقص الحاد في عمال الذخيرة المهرة.

عندما ألقى الرئيس فرانكلين دي روزفلت «خطاب الديمقراطية» الذي لا يُنسى في عام 1940، كان الاقتصاد الأميركي على وشك الانتقال إلى حالة حرب كاملة. من الواضح أننا لن نفعل ذلك اليوم. لذلك، سيكون التحدي هو الاستمرار في إنتاج البنادق في مواجهة الحرب الأوكرانية.
كل من الكونجرس والبنتاجون لديهما الأدوات للقيام بذلك، علاوة على المال في المقام الأول. إن الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا كبير (أكثر من 40 مليار دولار) ولكنه جزء صغير فقط من ميزانية الدفاع البالغة 850 مليار دولار. وسيقدم شركاء أميركا الأوروبيون (والحلفاء الآسيويون مثل اليابان وكوريا الجنوبية) كميات متساوية تقريباً من المساعدة، على الرغم من أن دعمهم سيركز أكثر على الاحتياجات الإنسانية وإعادة البناء الاقتصادي.
سيوفر كلا جانبي المحيط الأطلسي أنظمة قتالية مختارة (خاصة الدبابات والدروع الأرضية) وطلقات المدفعية. وسيتعين على الحكومات في الغرب ضمان الإنتاج التعاقدي، حتى تُجبر شركات الدفاع على تحمل المسؤولية إذا انتهت الحرب فجأة (والذي لا يبدو أنه يلوح في الأفق، باعتراف الجميع).
في حين أنه سيكون هناك بعض الضغط في سلاسل التوريد التجارية العالمية المحددة (مثل الإلكترونيات ومواد البناء وبعض المعادن)، فإن القدرة الإجمالية على إنتاج الاقتصاد الروسي المترنح واضحة. وبافتراض استمرار الصين في التراجع الحكيم عن مد بوتين بشريان الحياة المادي للحرب، فإن روسيا ستتأخر أكثر فأكثر عن قدرات الإنتاج الغربية. هذه «الطريقة الأميركية الكلاسيكية للحرب»، والتي نجحت في كل من الحرب العالمية الثانية وفي نهاية المطاف في الحرب الباردة، تبقي الفرص لصالح الأوكرانيين.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»