في الدفعة الأولى لكلية الدفاع الوطني في أبوظبي كان عددنا 30 دارساً مواطناً بيننا 4 مواطنات، نصف الدارسين من ضباط القوات المسلحة، والنصف الآخر من وزارات اتحادية ودوائر محلية وشركات شبه حكومية. كان ذلك قبل عشر سنوات، وكانت أعمارنا من 30 - 45 سنة، وتخرجنا بعد سنة دراسية بشهادة ماجستير في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، وفي الفصل الدراسي الأول، وكمادة إجبارية، كان لقاؤنا مع كتاب «فن الحرب» للقائد العسكري الصيني «سون تزو»، وهو أول كتاب في العقيدة العسكرية، كتبه سون تزو قبل قرابة 6 قرون من مولد المسيح، عليه السلام.

«فن الحرب» كان أول كتاب عسكري أقرؤه، فمساري المهني آنذاك كان في مجالي الاتصالات والإعلام، وأتذكر ردة فعل أحد الأخوة الدارسين عندما قرأ عنوان الكتاب، سائلاً الأستاذ بتعجب: «فن الحرب! الحرب دمار، لا فن فيها»، فيرد الأستاذ، العسكري الأميركي المتقاعد بثقة قائلاً: «عليك أن تنتظر، وسنخوض في الشهور الثلاثة القادمة في الكتاب، ولن يتغير رأيك فقط، بل قد ترى ما يدهشك».

كتاب«سون تزو» لا يتجاوز عدد صفحاته الـ 115 صفحة، ورغم ذلك يعد كتاب «فن الحرب» مرجعاً متكاملاً للاستراتيجيات والوسائل العسكرية، بل يرى الكثيرون أن التخطيط العسكري لا يكتمل من دون الرجوع إليه، ومن أهم دروسه تعزيز الإيمان بأن أكبر انتصار هو هزيمة العدو دون قتال. يشرح كتاب «فن الحرب» عن مكونات شخصية القائد في الظروف الصعبة كالأزمات والحروب، وفي اليوم الأول للدراسة عرض الأستاذ مقولتين لسون تزو، يقول في الأولى: «القائد هو الذي يخاطب جيشه وكأنهم رجل واحد»، ويقول في الثانية: «تتجسد القيادة العسكرية عندما تحول المآسي إلى مكاسب». وبكل هدوء ينظر إلينا الأستاذ مبتسماً: «هذا كل ما في الكتاب، ولكننا سنحتاج إلى 12 أسبوعاً لتحليل واستيعاب كافة أبعاد ما قاله سون تزو». استفدنا من هذا الكتاب وتعلمنا، لا شك في ذلك، ومثل ما تعلمنا من سون تزو ندرك جميعاً، من عسكر ومدنيين، أننا قد تعلمنا من بعضنا البعض، وبنيت بيننا صداقة لا تتقادم مع السنين.

تنوعت المناصب القيادية التي تبوأها خريجو الدفعات الأولى لكلية الدفاع الوطني، قد لا نلتقي كثيراً، ولكننا نتواصل باستمرار، نتذكر دوماً مقاعد الدراسة وغيرها من الذكريات الجميلة، وسافرنا إلى عمّان وجنيف وبروكسل، ثم عدنا إلى احتفال الكلية بترفيع مجموعة من أخواننا العسكر، عندما قلدهم قائد كلية الدفاع الوطني اللواء رشاد السعدي - آنذاك - رتبهم الجديدة، وعمت الفرحة في كل أرجاء الكلية، ولن ننسى أنه منذ وصولنا إلى الكلية وصلنا شعور بأن قائدها، في مقام «الأخ الأكبر».

ما درسناه نظرياً في كلية الدفاع كان قد بدأ عملياً ضمن خطة استراتيجية طويلة الأمد وخارطة طريق واضحة المعالم منذ سنة 1976، والبداية كانت في بومريخة التي تقع في منتصف الطريق بين أبوظبي ودبي، حيث تبعد 60 كم عن قلب العاصمة، و90 كم عن دبي، فبعد 5 سنوات من قيام الاتحاد اجتمع المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان، والشيخ راشد بن سعيد، وأعضاء المجلس الأعلى للدفاع في بومريخة لإصدار القرار التاريخي بتوحيد القوات المسلحة، بهدف توطيد دعائم الاتحاد وتعزيز أمنه ومسيرته لمواجهة كافة التحديات.

وساهمت الظروف الإقليمية كالحرب العراقية الإيرانية والغزو العراقي للكويت في تسريع عجلة بناء القوات المسلحة في الدولة، فإن أردت السلام فعليك أن تكون مستعداً للحرب. وبعد البدايات الأولى للقدرات البشرية والعسكرية، تواصلت مسيرة التطوير بانضمام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى القوات المسلحة وتحديداً في القوات الجوية وتعيينه قائداً للقوات الجوية سنة 1986. إن قرار توحيد قواتنا المسلحة هو أحد أبرز القرارات المصيرية والمفصلية في تاريخ ومسيرة اتحادنا المبارك، فهو «الحدث الوطني الأكثر أهمية وتأثيراً في تاريخنا الحديث بعد قرار إنشاء دولة الاتحاد»، كما قال صاحب السمو رئيس الدولة.

القوات المسلحة لها دور أساسي في مسيرة البناء على المستويات كافة، وبناء القدرات لا يرتبط فقط بامتلاك قوة عسكرية رادعة، ولكنه كان حتمية لبناء دولة اتحادية مستقرة، وتملك مقومات الازدهار، ومن خلال المؤسسة العسكرية تشكلت الهوية وأصبح الاندماج الوطني واقعاً يرتكز على الولاء والانتماء بين أبناء الوطن الواحد بمفهوم الوطن الواحد.

إن ذكرى توحيد قواتنا المسلحة هي مناسبة وطنية تتجلى فيها مكانة هذه المؤسسة الوطنية في وجدان قيادة وشعب الإمارات، حيث تحظى بتقدير واحترام الجميع، لما قدمه أبناؤها البواسل من تضحيات، وجسدوه من بطولات، رفعت راية الإمارات في ميادين العزة والشرف.

*الوكيل المساعد للسياسات والاتصال الدفاعي بوزارة الدفاع.