مجدداً تسجل الإمارات سبقاً باسمها وباسم العرب بعد تَجوّل سلطان النيادي في الفضاء، مؤكدة من خلاله أنها لا تعترف بالمستحيل ولا تتوقف عند نجاح واحد.
الإمارات التي لا تنافس إلا نفسها صنعت صورة استثنائية لها، وباتت معروفة للقاصي قبل الداني أنها تسابق الزمن نحو مزيد من النجاحات في مجالات عدة، ليس أولها البنية التحتية، ولن يكون آخرها ارتياد الفضاء، مستفيدة مما وصلت إليه الحضارة الإنسانية من تقدم على مستوى صناعة التكنولوجيا الحديثة.
في الأسبوع الماضي قدّم «مسبار الأمل» أوضح صورة لقمر المريخ المعروف باسم «ديموس»، وتمكّن «المستكشف راشد1» من الوصول إلى أقرب نقطة من سطح القمر، وبالرغم من أن عملية هبوطه عليه لم تنجح إلا أن «راشد 2» سيخوض التجربة بعد إتمام العمل عليه. أما سلطان النيادي، فقد خاض أول مهمة عربية للسير في الفضاء، وعبر الشاشة الصغيرة رأيناه وعَلَمُ الإمارات على كتفيه، وهو بتلك الصورة حقق حلماً طالما طال انتظاره، مدوناً اسم دولته ضمن قائمة الدول العشر التي سار روادها في الفضاء خارج المحطة الدولية في مهمة تستمر مدة ستة أشهر هدفها القيام بتجارب علمية عدة، والإسهام في إعادة المحطة إلى قدرتها التشغيلية الكاملة، والمساعدة على ابتكار تقنيات حديثة هدفها العمل على مساعدة البشرية على الأرض.
نجاح النيادي في مهمته كانت نتاج تدريب وعمل مكثفيْن استمرا ثلاث سنوات، ولا أبالغ إنْ قلت إنه يجسد رؤية الإمارات في سبيل تحقيق حضور مهم لها في قطاع الفضاء والعلوم والتكنولوجيا، خصوصاً وأنها عملت وما تزال على توطين صناعة الفضاء، والتوسع في الاستثمار في المشاريع المرتبطة بها، وبالتالي جذب الشركات الوطنية والعالمية العاملة في ذات المجال.
صحيح أن الإمارات تعمل لتجسيد رؤيتها وأهدافها الإستراتيجية، التي تضعها ضمن الصفوف الأولى للدول المتقدمة في مجال الفضاء والتكنولوجيا الحديثة، ولكن، ولأن هذا وحده لا يكفي، فهي تمنح أبنائها كذلك الفرصة كاملة للإبداع والانطلاق في هذا المجال تلك على اختلاف أبوابه وتفرعاته، كما توفر لهم الدعم المادي والمعنوي كي يكونوا بحق كوادر وكفاءات قادرة على العمل والإنتاج في قطاعات ليس من السهل دخولها وإثبات الجدارة والكفاءة فيها، والأهم من ذلك أنها تعمل على تثقيف المجتمع وتوعيته بأهمية الفضاء ودوره في حياتنا نحن البشر.
ولأن الأرقام دائماً هي محط ثقة، فلا بأس من استعراض بعضها. ففي مؤتمر إطلاق «المسح الاقتصادي لقطاع الفضاء 2022» الذي عقد في سبتمبر عام 2022، تم الإعلان عن إجمالي العاملين في قطاع الفضاء في الإمارات والذي زاد حينها عن 3100 من المهندسين والفنيين والمختصين الذين يمثلون أكثر من 80 جهة وشركة عاملة في صناعة واقتصاد الفضاء في الإمارات التي أسست وكالة الإمارات للفضاء عام 2014 بهدف تطوير قطاع الفضاء. أما البرامج التعليمية والتدريبية المرتبطة بالفضاء فهي عديدة، وبعضها يشمل الشباب العربي من الدارسين المختصين والباحثين والعلماء والمبتكرين، أصحاب العقول الخلاقة ومن لديهم شغف بعلوم الفضاء وتطبيقاته.
كل ذلك يجعل من الإمارات وخلال سنوات قليلة بيئة داعمة للشباب المبدع ورواد الأعمال والمشاريع الناشئة، وحاضنة للابتكارات، ونحن على يقين أن الطريق ما تزال طويلة ولن تخلو من التحديات، ومع ذلك فإن الأمل كبير برؤية دولتنا وإستراتيجيتها التي تمنح الشباب الموهوب والمبدع فرصاً ثمينة لإثبات الذات، وتبني لهم قاعدة صلبة لينجحوا في تحقيق آمالهم، وهي تدرك تماماً أن الوصول إلى القمة يتطلب من الجميع تبنّي العمل باعتباره قيمة حقيقية للإنسان، والإيمان بالعلم والإبداع اللذين يمكّنان الدول من حجز موقع أفضل لها.