في صباح أحد أيام شهر نوفمبر من عام 1992، شاهدت حرس شرف من مشاة البحرية يسحب العلم الأميركي ويطويه بشكل واضح في خليج سوبيك في الفلبين، ويغلق واحدة من أقدم وأكبر القواعد العسكرية الأميركية في الخارج.
وعندما صعد آخر جنود مشاة البحرية على متن السفينة «يو إس إس بيلو وود»، أطلق مكبر صوت «فليبارك الله أميركا»، في تذكير بواحد من أكثر موانئ الحرية شهرة في البحرية. وصاحت امرأة أخرى «وداعا، جي آي!» بينما كانت السفينة الهجومية البرمائية تبحر في الخليج المتلألئ. (جي آي – تعني عضواً أو عضواً سابقاً في القوات المسلحة الأميركية.) واليوم، عاد الترحيب بأفراد القوات المسلحة الأميركية.
لقد عدت إلى الفلبين في فبراير عندما أعلن وزير الدفاع لويد أوستن أن البنتاجون قد تمكن من الوصول إلى عدد متزايد من القواعد العسكرية الفلبينية لتخزين المعدات وإيواء القوات الأميركية في عمليات تناوب القوات الزائرة. بدا أوستن متحمساً عندما أعلن عن الترتيب. وقال للصحفيين: «إنها صفقة كبيرة حقاً».
تعتبر عودة الولايات المتحدة إلى الفلبين جزءاً رئيسياً من الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في جنوب شرق آسيا.
ليس من قبيل المصادفة أن اثنين من مستودعات البنتاجون الأربعة الجديدة للوجستيات تشمل قاعدة بحرية فلبينية ومطاراً على الطرف الشمالي الشرقي من لوزون، على بعد 250 ميلاً فقط من جزيرة تايوان. أو أن التدريبات العسكرية السنوية المشتركة بين الولايات المتحدة والفلبين التي انتهت يوم الجمعة الماضي شارك فيها 12200 أميركي وكانت الأكبر على الإطلاق. وقد تضمنت هذه التدريبات الهبوط في جزيرة قريبة من تايوان وأول إنزال لسفينة مستهدفة في بحر الصين الجنوبي.
عودة الجنود الأميركيين هي أيضاً جزء من سباق تسلح مقلق في غرب المحيط الهادئ. وبدعم من إدارة بايدن، يتدافع الحلفاء في اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والفلبين وجزيرة تايوان لتعزيز القدرات العسكرية وتقوية العلاقات في محاولة لمواجهة النفوذ الصيني. 
وفي التحول الأكثر إثارة، توشك اليابان على أن تصبح ثالث أكبر منفق عسكري في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. تراجعاً عن دستورها السلمي، بدأت طوكيو أكبر توسع عسكري لها منذ الحرب العالمية الثانية، والذي من المتوقع أن يتكلف 320 مليار دولار على مدى خمس سنوات.
أما الحشد الفلبيني، فهو أكثر تواضعاً. لكنه جدير بالملاحظة بالنسبة للجيش الذي كان يركز بشكل أساسي على محاربة المتمردين المحليين، وليس صد أكبر قوة مسلحة في العالم. تشتري مانيلا الآن أو تتزود بأنظمة رادار للدفاع الجوي من اليابان، وصواريخ كروز مضادة للسفن من الهند، وزوارق دورية بحرية من كوريا الجنوبية، وبطاريات صواريخ أرض - جو من إسرائيل. كما عرضت أستراليا وفرنسا وألمانيا القيام بدوريات بحرية مشتركة، بينما كندا تسعى للتعاون الدفاعي.
ومؤخراً، قال الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور إنه إذا اندلعت حرب في غرب المحيط الهادئ، «من الصعب جداً تخيل سيناريو لن تتدخل فيه الفلبين بطريقة أو بأخرى».
ماركوس، هو بالطبع ابن الرجل القوي المدعوم من الولايات المتحدة الذي حكم الفلبين لمدة 21 عاماً حتى أطاحت به «ثورة سلطة الشعب» في عام 1986 وهرب إلى هاواي، حيث توفي.
وقد سعى كل رئيس فلبيني تقريباً منذ ذلك الحين إلى تخفيف العلاقات مع الولايات المتحدة. وآخرهم، رودريجو دوتيرتي، الذي أعرب عن ازدرائه للولايات المتحدة، وتودد إلى الصين كشريك في السياسة الخارجية.
لكن استراتيجيته المعادية لأميركا لم تدم. وبسبب قلقه من استيلاء الصين على الجزر والمياه الضحلة التي تطالب بها مانيلا أيضاً، عاد دوتيرتي بهدوء إلى واشنطن.
منذ توليه منصبه في يونيو الماضي، عزز ماركوس العلاقات مع واشنطن. بالإضافة إلى منح حق الوصول إلى القواعد الفلبينية، ووافق على استئناف الدوريات البحرية المشتركة بين الولايات المتحدة والفلبين في بحر الصين الجنوبي. كما التقى بالرئيس بايدن خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة الخريف الماضي ومن المتوقع أن يزور البيت الأبيض، وهي زيارة تعد الأولى لزعيم فلبيني منذ أكثر من عقد.
علاوة على ذلك، ترتبط الدولتان أيضاً بمعاهدة دفاع مشترك - وهي اتفاقية تم توقيعها خلال الحرب الكورية، هذه المعاهدة هي أحد أسباب استمرار التعاون العسكري بشكل متقطع حتى بعد انسحاب القوات الأميركية من خليج سوبيك وقاعدة كلارك الجوية قبل ثلاثة عقود.
بعد الهجمات الإرهابية على أميركا عام 2001، على سبيل المثال، انتشر المئات من قوات العمليات الخاصة في الفلبين للمساعدة في مطاردة مسلحي أبو سياف المرتبطين بتنظيم «القاعدة» والجماعات الانفصالية الأخرى، حيث استمرت المهمة 13 عاماً.
وفي عام 2014، وقعت مانيلا اتفاقاً يسمح للبنتاجون بتناوب القوات وتخزين الذخيرة والوقود والأسلحة والمعدات في خمس قواعد عسكرية فلبينية. إن الصفقة التي أعلنها أوستن تزيد هذا الرقم إلى تسعة، حيث تستخدم القوات الأميركية أحيانا سوبيك وكلارك، لكنهما ليسا جزءاً من الترتيب. يتحول المحور العسكري الواسع لإدارة بايدن إلى المحيط الهادئ لمنع الحرب، وليس لإثارة الحرب. لكن العلاقات مع الصين تشهد مدا ينذر بالخطر، وتتزايد مخاطر حدوث صدام. لقد رأيت مخاطر الفشل عندما أمضيت صباحا في الشهر الماضي في المقبرة الأميركية في مانيلا قبل وقت قصير من مغادرتي الفلبين.
مع أكثر من 17000 شاهد من الرخام الأبيض، ولوح محفور بأكثر من 36000 اسم لمن فقدوا أثناء القتال أو فقدوا في البحر خلال حملات المحيط الهادئ في العالم الثاني، فهي إلى حد بعيد أكبر مقابر عسكرية أميركية في الخارج.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكشن»