عندما تُنشر هذه المقالة ستكون نتائج الانتخابات الرئاسية التركية قد حُسِمت، سواء بفوز أحد المرشحَين الرئيسيين أو بالانتقال إلى جولة انتخابية ثانية، وعندما انتهيت من كتابة المقالة في الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين كانت النتائج ترجح إعادة الانتخابات، ولذا فإن التحليل سوف يركز على دلالات عملية التصويت، إذ أشارت التقارير إلى نسبة مشاركة عالية للغاية اقتربت من 90٪‏. ولا يقل أهميةً عن ذلك أن عملية التصويت قد جرت دون مشكلات تُذكر، وهذا يُحسب للديمقراطية التركية، إذ معلوم أن بعض تجارب الانتخابات، سواء على المستوى الرئاسي أو التشريعي، قد عانت من تدهور حاد في نسب المشاركة حيث لم تصل إلى الثلث، وهو ما يُثير تحفظاتٍ حول الشرعية التي بُنيت على نتائج هذه الانتخابات، أما عندما تكون نسبة المشاركة بهذا الارتفاع فإن دلالة النتائج من منظور الشرعية تكون محسومةً. ولا شك في أن النسبة المرتفعة للمشاركة ترجع إلى الأهمية الفائقة للانتخابات، التي كان المرشحان الأساسيان فيها، الرئيس الحالي ومرشح «حزب العدالة والتنمية» الحاكم طيب رجب أردوغان، ومنافسه كيليجدار أوغلو رئيس «حزب الشعب الجمهوري» ومرشح «تحالف الأمة». ذلك أن الانتخابات التركية، الرئاسية والبرلمانية معاً، جرت في ظل متغيرات غير مسبوقة، كالأزمة الاقتصادية الحادة التي وصلت فيها نسبة التضخم إلى 85٪‏، وفقدت فيها العملة التركية 80٪‏ من قيمتها، وكارثة الزلزال التي زادت من المصاعب الاقتصادية، خاصةً وقد وُجهت انتقادات لأداء الحكومة في مواجهة الآثار المهولة للزلزال، كما أن الأزمة الاقتصادية زادت من حدة الخلاف حول بعض القضايا ذات الصلة بالسياسة الخارجية، كقضية اللاجئين السوريين التي اختلفت فيها المعارضة مع أردوغان اختلافاً جذرياً، وإن كانت قضايا السياسة الخارجية بصفة عامة ليست هي الأساس في التنافس بين أردوغان ومعارضيه، خاصةً بعد أن حدث التحول في سياساته تجاه محيطه الإقليمي وبالذات دول الخليج العربية ومصر.
غير أن ثمة مسألة بالغة الأهمية في هذه الانتخابات تتعلق بالتقارب الشديد بين المرشحَين المتنافسَين، سواء حُسِمت الانتخابات في الجولة الأولى أو في جولة الإعادة، فحتى الساعات الأولى من يوم أمس حصل أردوغان على 49.3٪‏ من الأصوات، مقابل 44.96٪‏ لكيليجدار أوغلو. وسواء فاز أي المرشحين من الجولة الأولى أو جولة الإعادة، فمن الواضح أن ثمة توازناً ملحوظاً بين معسكريهما، على عكس نتائج انتخابات عام 2018 التي فاز فيها أردوغان بنسبة 52.38٪‏ مقابل 30.79٪‏ لمنافسه الرئيسي «محرم إينجه» مرشح «حزب الشعب الجمهوري» يومها. وهو ما يعني أن أياً من المرشحَين الحاليين بعد فوزه لن تكون مهمته سهلة وبالذات مرشح «تحالف الأمة»، لأنه يعبّر عن قوى مؤتلفة وليس حزباً واحداً كحالة أردوغان. والتساؤل مشروع حول احتمال تعرض التجربة الديمقراطية التركية لتحدٍ مشابه لما حدث عند ما رفض ترامب الاعترافَ بهزيمته، وما أدى إليه ذلك من أحداث غير مسبوقة كاقتحام الكونجرس، وكذلك تمرد أنصار الرئيس البرازيلي المهزوم في الانتخابات الأخيرة ومحاولتهم السيطرة على المؤسسات الدستورية في البلاد، وإن كانت لا توجد مؤشرات على ذلك حتى الآن. ويمكن لهذه الصعوبات أن تتفاقم حال جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية في غير صالح المرشح الفائز بمنصب الرئاسة، بمعنى أن يحكم الرئيس الفائز مع برلمان يسيطر عليه خصومه، وهو ما سوف يزيد من الصعوبات التي سيواجهها، والله أعلم.

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة