ليس خافياً على أحد المرحلة الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية كاملة، والتي تُشكل – كما يراها كثيرون - منعطفاً جديداً في التاريخ الحديث، ولا سيما تاريخ المنطقة العربية وجيرانها من الدول، هذا عدا المنعطف الذي تمر به الدول الأوروبية بعد اندلاع حرب ضروس بين روسيا وأوكرانيا لا نعلم متى سنشهد نهاية المآسي التي تخلّفها.
غير أن مشاكل الدول العربية متراكمة ومزمنة، وما إن تخرج من محنةٍ منهكة، حتى تعيش محنة أخرى، والأسوأ من ذلك أن الحلول التي تلجأ إليها الدول غالباً ما تكون مُرغمة عليها ولا تُشكل علاجاً جذرياً لأصل المشكلة على الإطلاق، ولهذا فهي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، ولعل هذه الصورة تنطبق على كثير من دولنا العربية بدءاً من العراق إلى ليبيا فاليمن ولبنان والسودان، وحتى سوريا التي أُعيدت إلى الجامعة العربية مؤخراً لم تلملم جراحها، وربما يحتاج شعبها عقوداً طويلة حتى يعيش حالة صحية إلى حد ما، خصوصاً وأنها تكبدت خسائر فادحة ومؤلمة، والملايين هاجروا أو نزحوا منها بعد أن اشتعلت بنيران الحروب التي أحرقت الأخضر قبل اليابس، وبعضها بلا شك كانت بالوكالة. ومع ذلك نأمل أن تحمل عودة سوريا إلى الجامعة العربية الخير لها كبلد وشعب، لتكون «القمة العربية 32» التي تستضيفها المملكة العربية السعودية يوم 19 مايو المقبل هي أول مناسبة عربية تحضرها سوريا بعد غياب دام 12 عاماً.
في المقابل يعيش السودان أسوأ أيامه إثر النزاع الذي اشتعل بين عدة فصائل فيها. فالأزمة التي تطورت إلى اقتتال لا يمكن الاستهانة بتطوراتها إذا لم يتم إيجاد حل لها، وإنْ لم يتم التوصل إلى حل، فقد يمتد القتال لسنين طويلة تستنزف السودان بالدرجة الأولى على جميع الأصعدة، وتبعد المنطقة أكثر فأكثر عن الاستقرار.
والاتفاق المبدئي بين الفرقاء يقضي بخفض التصعيد، والتأكيد على التزام الجانبين المتنازعين بسيادة السودان ووحدته، مع تعهد الطرفين باحترام المرافق العامة والخاصة فيه، والسماح لجميع المدنيين بمغادرة مناطق الصراع، على أمل ألا يتجاوز الاقتتال حدود الخرطوم ليتمدد نحو الأقاليم، ومنها إلى دول الجوار.
إن أجندة القمة العربية ستكون ساخنة أيضاً سخونة الأوضاع السائدة في المنطقة، وستُطرح في مقدمتها الهجمة الإسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطيني، إلى جانب معالجة الأزمة المتفاقمة في لبنان وضرورة انتخاب رئيس له، وتعزيز العلاقات بين العراق والدول العربية، وكذلك خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا وحل الميليشيات تمهيداً للتسوية والانتخابات، فضلاً عن طرح القضايا المرتبطة بالمتغيرات الإقليمية والدولية، وخصوصاً ما يتعلق بإعادة صياغة العلاقات مع دول الجوار في المحيط العربي.
كل هذه القضايا والملفات ملحة، ومعالجتها ضرورة لا بد منها إن أرادت الدول العربية قاطبة ترميم وتحصين أمنها. وبالتالي؛ الدول العربية أمام تحديات صعبة لا بد من التغلب عليها لتحقيق تطلعات المؤمنين بالعمل العربي المشترك، أولئك الذين يرونه جوهر مستقبل شعوب المنطقة.
إن لمَّ الشمل العربي – العربي بالدرجة الأولى، وتعزيز التعاون بين الدول العربية خطوةٌ مهمةٌ على طريق التعافي، وبارقة أمل في تعزيز ركائز العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات القائمة والملفات الشائكة التي برزت في العقد الأخير.
غير أن ترميم منظومة الأمن العربي يتطلب الكثير من الحزم والحكمة في آن معاً، وهو أمر لا يغيب عن أذهان القادة في كل أركان المنطقة، كونهم يدركون أن المرحلة القادمة بعد القمة لن تكون أرحب وأيسر لأنها تتطلب منهم بلا استثناء التكاتف والتلاحم من أجل استعادة استقرار المنطقة ككل.