دأبت رواندا على إحياء ذكرى الإبادة الجماعية ضد التوتسي التي وقعت عام 1994، وتخصص كل عام 100 يوم من 4 أبريل إلى 7 يوليو)، للتذكير بما تضمنته هذه الكارثة وفي الوقت نفسه تأبين الضحايا والتأكيد من جديد على التطلع للمستقبل الزاهر بروح المصالحة والتسامح والتضامن والوحدة الوطنية، انطلاقاً من شعار «ذكرى ووحدة ونهضة».

مفردة Kwibuka «كوبيكا» تعني «تَذكُّر» بلغة «كينيارواندا» التي يتحدث بها الروانديون، وهي واحدة من اللغات الرسمية الثلاث في البلاد، إضافة إلى الفرنسية والإنجليزية.

وعن رمزية هذه الذكرى، تأتي مقولة بول كاغامي رئيس رواندا:«لا ينبغي إضاعة فرصة الاستفادة من هذه الدروس الصعبة والمؤلمة، فكل عام يمر يجعلنا أشخاصاً أقوى وأفضل».

قبل يومين، اجتمعت الجالية الرواندية في دولة الإمارات العربية المتحدة والمسؤولون الحكوميون وبعض أعضاء السلك الدبلوماسي وأصدقاء رواندا في دبي لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية لعام 1994 ضد التوتسي، إنها الذكرى التاسعة والعشرين Kwibuka29 .

  •  

تم تنظيم فعالية إحياء الذكرى لتكريم ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية ضد التوتسي والوقوف دقيقة صمت، وإشعال الشموع،  والإشادة بقدرة الناجين على الصمود والتفكير في إعادة إعمار رواندا والدعوة إلى تجديد الالتزام بأن هذه الفاجعة «لن تتكرر أبداً».

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعترفت منذ 7 أبريل 2004 بالفظائع التي ارتكبت في رواندا على أنها يوم دولي للتفكر في الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا، وأعلنت بعض الدول يوم 7 أبريل يوماً لإحياء الذكرى السنوية للإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد التوتسي. وتأتي المناسبة فرصة لتأكيد ما حققه رواندا من مكاسب على الصعد كافة بعد المصالحة الوطنية والتركيز على المستقبل عبر الخطط التنموية.  

  •  

وفي كلمته أمام الحضور، لإحياء الذكرى 29 للإبادة الجماعية عام 1994 ضد التوتسي Kwibuka29 ، أكد إيمانويل هاتيجيكا، سفير جمهورية رواندا لدى دولة الإمارات، أن «رواندا الحديثة أقيمت من دولة مدمرة في عام 1994 بنسيج اجتماعي واقتصادي وسياسي متهالك إلى دولة متحدة تتطور باستمرار ولها مستقبل واعد. كان علينا اتخاذ خيارات صعبة للغاية على طول الطريق. ونتقدم بالشكر إلى الناجين المتفانين في تضحياتهم الذين وهبونا المغفرة وقبلوا المصالحة. كما نشيد بالرجال والنساء المتفانين بقيادة فخامة الرئيس بول كاغامي، الذين حاربوا نظام الإبادة الجماعية وأوقفوا الإبادة الجماعية ضد التوتسي».


  • «كوبيكا29»: رواندا.. ذكرى الإبادة ومكاسب الوحدة والنهوض

 

هاتيجيكا يرى أن «الذكرى الـ29 للإبادة الجماعية لعام 1994 ضد التوتسي بمثابة نداء من شأنه إيقاظ المجتمع الدولي لمواجهة إنكار الإبادة الجماعية بالوحدة والعزيمة الكاملة». وأشار هاتيجيكا في كلمته أمام الحضور البالغ عددهم 300 شخص - أن الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994 ضد التوتسي كانت نتيجة لخطة إبادة طويلة الأمد زُرعت بذورها في ظل السياسة الاستعمارية الشنيعة «فرّق تسد» التي اتبعها النظامان المتعاقبان بعد الاستقلال في الستينيات، مستهدفين مجموعة واحدة هي التوتسي.

أعرب الدكتور فهد التفاق، مدير عام إدارة الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة، عن تضامن دولة الإمارات مع رواندا والناجين من الإبادة الجماعية: «نجتمع هنا اليوم لإحياء الذكرى ونقل خواطرنا إلى رواندا في الذكرى الـ29 للإبادة الجماعية عام 1994 ضد التوتسي. ونوجه دعواتنا بقلب منفطر مع الناجين الذين ما زالوا يعيشون مع صدمة الإبادة الجماعية ومع العائلات التي فقدت أحباءها. ومن المهم عندما نتأمل الماضي أن نلزم أنفسنا أيضاً بالمستقبل الذي لن تحدث فيه مثل هذه الفظائع مرة أخرى. لابد أن نسعى لبناء مجتمع يقوم على مبادئ الوحدة والمصالحة».

وشارك في الفعاليات سهيل البنا، المدير التنفيذي، المدير العام لشركة موانئ دبي العالمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وألقى كلمة أوضح فيها مجالات وفرص الاستثمار والتجارة في رواندا، وملامح التطور الاقتصادي في هذا البلد الأفريقي.

  •  

كما تضمنت فعالية إحياء الذكرى شهادة Grace Mukasekuru جريس موكاسيكورو، إحدى الناجيات من الإبادة الجماعية التي سردت المحنة المروعة التي مرت بها خلال الإبادة الجماعية، وكيف وجدت القوة والأمل لبناء حياة جديدة. حققت رواندا نمواً شاملاً في القطاعات كافة، مستندة إلى عزيمة القيادة المتمثلة في الرئيس بول كاغامي، ومرتكزة على خيارات أساسية هي: الوحدة والمساءلة والتفكير بطموح، والتحرك وفق خطة هدفها تحقيق التطور السريع من أجل تحسين حياة جميع الروانديين.

رواند والإمارات.. قوة التسامح

وفي حديثها لصحيفة «الاتحاد»، قالت Grace Mukasekuru «جريس موكاسيكورو » أحد الناجين من الإبادة الجماعية ضد التوتسي والتي حدثت في رواندا عام 1994 : أعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عشر سنوات أكن التقدير لتسامح قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة حيث يعيش العديد من الجنسيات معاً وهو مثال على ما هو ممكن في رواندا. لقد فعلت رواندا الكثير لتشجيع التسامح والعيش معاً في تماسك. لقد كنا مثالاً جيداً للدول الأخرى في أفريقيا والعالم.

وأضافت «جريس موكاسيكورو »: سعيدة للغاية بالقيادة التي لدينا في رواندا ومحظوظة جدا لأنني شهدت إنجازات القيادة في الإمارات واليوم، بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين يأتون إلى رواندا - حيث عدت للتو منها قبل يومين فإنها تعد قصة نجاح.

وقالت: كان من الرائع رؤية التغييرات في البنية التحتية والتكنولوجيا والتحسينات التي طرأت على الطرق ونظام الرعاية الصحية. إنه لأمر جيد أن نرى في روندا العديد من الأشخاص من مختلف البلدان.  وأضافت : لقد التقيت في رواندا بأناس من أجزاء مختلفة من العالم وأفتخر أن رواندا أصبحت الآن منارة للأمل والنور ونموذجاً للكثيرين. مظاهر التنمية جلية أمام الجميع وهي جيدة جداً. بالنسبة لي، كان أفضل شيء أراه هو التغيير في طريقة التفكير، خاصة بالنسبة للشباب. هم متحمسون للغاية ويركزون على جعل رواندا دولة أفضل لهم وللأجيال القادمة. وهذا كله بفضل القيادة التي نحظى بها في رواندا. 

نموذج في  التنمية 

قدمت رواندا نموذجاً في التنمية داخل القارة الأفريقية، من خلال رؤية رواندا 2020 التي استندت إلى مشاورات بين الجهات المعنية في البلاد، وتبنت أهدافاً واضحة من أجل إعادة بناء الأمة وتنمية الموارد البشرية وإدارة استخدام الأراضي والتنمية الحضرية، وتطوير القطاع الخاص، وتحديث الزراعة، وتحقيق المساواة بين الجنسين، والاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا، وتعزيز جهود التكامل الإقليمي والدولي. خطط تحولت إلى واقع، لتصبح رواندا دولة خضراء آمنة للجميع وأسهل مكان لتأسيس المشاريع التجارية في القارة الأفريقية، وباتت مركزاً ناشئاً لتكنولوجيا المعلومات والخدمات المالية.

مؤشرات تبعث على التفاؤل

وفقاً لبينات المعهد الوطني للإحصاء، نما الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 14 ضعفاً خلال الفترة من 1994 إلى 2019، وخلال الفترة ذاتها زاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 7 أضعاف. وتوضح رؤية 2050 التوجه الاستراتيجي لرواندا الساعية إلى تحقيق الازدهار والتنمية الاقتصادية المستدامة، ويعني هذا أن تصبح رواندا ذات دخل متوسط أعلى بحلول عام 2035 ودولة عالية الدخل بحلول عام 2050.

طفرة في التعليم والاقتصاد

وبحسب تقارير أفريقية، شهدت رواندا التطور الاقتصادي الأكبر على مستوى العالم منذ  عام 2005، وارتفعت قيمة الناتج الإجمالي المحلي إلى نحو 8.5 مليار دولار عام 2016 بينما كان نحو 2.6 مليار عام 2005.

 وخلال الـ25 عاماً التي تلت المجازر ضد التوتسي، وصلت رواندا إلى قائمة الدول العشر الأسرع نمواً على المستوى الاقتصادي، بمعدل 8%  سنوياً، وأصبحت الدولة الوجهة السياحية الأولى وسط أفريقيا، وتعتبر العاصمة كيغالي من أكثر المدن أماناً على مستوى القارة، وتحتل مكانة متميزة بوصفها واحدة من أنظف المدن الأفريقية وأجملها.  وحازت رواندا إعجاب منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونيسكو»، ففي  تقرير جودة التعليم لسنة 2014 الصادر عن اليونسكو، جاءت رواندا ضمن أفضل 3 دول في تجربة النهوض بالتعليم. وفي 27 فبراير 2019،  أطلقت رواندا أول قمر اصطناعي خاص بها للاتصالات، من مركز كوروا للفضاء بغويانا الفرنسية، من أجل ﺭﺑﻂ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺤﻀﺮﻳﺔ ﺑﺎلإﻧﺘﺮﻧﺕ ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻲ ﻋﺒﺮ ﺷﺒﻜﺎﺕ ﺍﻟﻜﻮﺍﺑﻞ ﺍﻟﻀﻮﺋﻴﺔ.

ويمكن اقتباس مقولة فخامة الرئيس بول كاغامي في يوم التحرير الـ25 يوليو 2019، عندما أشار إلى أن «منطق التحرير هو تحويل الأمور السيئة إلى أمور جيدة، وما حققه الروانديون حقيقي بلا شك، ولكن يجب أن نظل متواضعين بما يكفي لنتعلم أن التحدي الأكبر الذي يواجهنا هو الاستدامة».