أوضحت مقالة الأسبوع الماضي، الخاصة بإمكانية إصدار تأشيرة «شنغن» خليجية، العديد من الحقائق التي يمكن تسخيرها لتعزيز التعاون الخليجي، وبالأخص في المجال الاقتصادي، فقد وجد مثل هذا التوجه ترحيباً كبيراً من مواطني دول المجلس، بل ومن قبل غير الخليجيين، كما اتضح أن الأزمات العابرة التي تواجه المجلس أحياناً لا تزيده، إلا قوةً وتماسكاً وتزيد من إصرار مواطنيه على تطويره، باعتباره الضامنَ لاستقرار أوطانهم ومستقبلهم.

هذه وغيرها من الحقائق التي استنتجناها من ردود الفعل وهي تعيدنا إلى مراجعة الأسباب التي أدت إلى تباطؤ عمل اللجان الفنية خلال السنوات العشر الماضية، والتي أصاب أنشطتَها نوع من الجمود أدى إلى توقف الاندماج الاقتصادي الخليجي عند مستوياته قبل عقد من الزمن، في الوقت الذي توفرت المزيد من الظروف التي تساعد على دفع التعاون خطوات للأمام، وبالأخص القرارات التي صدرت عن الدورات السنوية لاجتماعات المجلس الأعلى لمجلس التعاون والتي لم تجد لها انعكاساتٍ تنفيذيةً وأدت إلى تأخير العمل المشترك وتفويت فرص تنموية مهمة.

ولنأخذ على سبيل المثال بعض الخطوات التي لم تجد طريقَها للتنفيذ رغم مرور عشرين عاماً على المدة المحددة لإنجازها، فالاتحاد الجمركي الذي كان من المقرر تطبيقه في عام 2003 ما زال غير مكتمل، وتعاني عملية تطبيقه من عقبات وإجراءات معقدة، كما لم تطبق حتى الآن نقطة الدخول الواحدة للسلع الأجنبية بسبب الإجراءات الإضافية التي سنَّت لاحقاً والتي كبلت هذا التوجهَ المهم بمواد تعجيزية في بعض الأحيان. وساهم هذا التأخير في تأجيل الوصول لاتفاق حول توحيد الأنظمة والقوانين والتشريعات الاقتصادية الخليجية، علماً بأن غيابَها لا يساعد على حرية انتقال الاستثمارات والكفاءات والسلع بحرية بين دول المجلس، ويحد كثيراً من تبادل المصالح وتنفيذ المشاريع المشتركة بين القطاعين الخاص والحكومي الخليجيين.

وبسبب عدم إنجاز هاتين الخطوتين، فقد تعذرت إقامة السوق الخليجية المشتركة، هذه الخطوة التي ستحوّل أسواقَ دول المجلس إلى سوق خليجية واحدة دون حواجز، وستتيح إمكانيات لا حدود لها لتنمية العديد من القطاعات الاقتصادية، وبالأخص القطاع الصناعي وقطاعات التقنيات المتطورة والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات.. وذلك بفضل وجود سوق كبيرة تستوعب منتجاتها، وكذلك تكامل رؤوس الأموال والاستثمارات الخليجية التي ستعامل في كافة دول المجلس معاملةَ الاستثمارات ورؤوس الأموال المحلية.

وهناك أيضاً تباطؤ شديد في عمليات الربط اللوجستي الذي يلعب دوراً حاسماً في تسهيل تكامل الاقتصادات الخليجية، كالقطار الخليجي المقرر إنجازه منذ خمس سنوات، أي في عام 2017، حيث اقتصر الإنجاز على دولتين فقط، هما الإمارات والسعودية، كما اتخذت خطوات عملية مؤخراً بفضل التعاون الإماراتي العماني والذي وضع برنامجاً عملياً لإنجاز السكك الحديدية بسلطنة عمان وربطها بشبكة السكك الحديدية الإماراتية، مما يعد إنجازاً يمكن الاسترشاد به لاستكمال بقية أجزاء هذا المشروع الحيوي في الدول الأخرى.

وهذه مجرد أمثلة لترابط أوجه التعاون ضمن سلسلة يؤدي انقطاع أحد أطرافها إلى توقف تنفيذ أوجه التعاون الأخرى، حيث يحتل عامل الوقت أهميةً كبيرةً، فالتطورات الإقليمية والعالمية تتلاحق متسارعة بصورة خطيرة في بعض جوانبها ولا يمكن التعامل معها أو مواجهتها بالتباطؤ، فمدة عشرين عاماً من تأخير التنفيذ تعد فترة طويلة جداً لا يمكن تعويضها وتعويض الفرص التنموية التي تم تفويتها بسبب هذا التأخير أو التأجيل.

وبوجود الدعم الحكومي الرسمي، كما بينا في التعاون الإماراتي العماني بشأن السكك الحديدية، وكذلك الدعم الشعبي الكبير لكافة أوجه التعاون، فإن ذلك يوضح، أن التباطؤ يتعلق أساساً بإجراءات إدارية روتينية ذات علاقة بالإدارة الاقتصادية، والتي يمكن تحسين أدائها على المستويين المحلي والجماعي في نطاق المؤسسات المشتركة لاستكمال مقومات وجود اقتصاد خليجي متكامل يعزز من مكاسب واستقرار ومستقبل التنمية المستدامة في دول مجلس التعاون الخليجي.

*خبير ومستشار اقتصادي