في ضوء التحولات الجذرية التي يشهدها العالم، تتغير الكثير من الاتجاهات وتتطور العديد من المفاهيم، فقد أصبحت الصناعات الثقافية والإبداعية التي تركز على عناصر الفكر والابتكار والإنتاج والتوزيع والنشر والتصوير والفنون المسرحية، ركيزة أساسية من ركائز اقتصاديات الدول، ويؤثر نموها وانتشارها إيجاباً على الأجندة الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة.

وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، يسهم الاقتصاد الإبداعي في العالم بما يزيد على 6% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بعائدات سنوية تزيد على 2 تريليون دولار، وتستحدث قرابة 50 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم، وتعمل العديدُ من الهيئات والمؤسسات الدولية الكبرى، مثل «اليونيسكو» و«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» و«مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية»، على دعم هذا النوع من الاقتصاد في العالم.

وتُولي القيادةُ الرشيدة لدولة الإمارات ممثّلة في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أهميةً كبيرة للفنون والثقافة والإبداع، من خلال الدعم المالي والرعاية الموجهة إلى القطاع الإبداعي لاستدامته في الدولة وقدرته على مواصلة أداء رسالته السامية، فالقيادة تدرك بحسّها الحكيم قيمةَ الإبداع والفنون، مثمّنةً دور المبدعين في بناء التنمية الشاملة والمستدامة. ووفقاً للإحصاءات الرسمية الخاصة بعام 2022، فإن الصناعات الثقافية والإبداعية في دولة الإمارات أسهمت بنسبة 3.5% من إجمالي الناتج المحلي بقيمة 54.4 مليار درهم، وتسعى الإمارات إلى أن تصبح هذه الصناعات ضمن أهم عشر صناعات، وتبلغ مساهمتها 5% من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2031.

وفي ظِلّ هذا الاهتمام الكبير بدور الثقافة، أصبحت دولة الإمارات مركزاً عالميّاً يشجّع على الثقافة والفنون، حيث يتم تنظيم الكثير من المؤتمرات الدولية، والعديد من مهرجانات الفنون والمعارض، وفي هذا السياق، ينظّم مركز أبوظبي للغة العربية النسخة الثانية من «المؤتمر الدولي للنشر العربي والصناعات الإبداعية» اليوم وغداً (21 و22 مايو الحالي)، ويبحث المؤتمر سبل استخدام التقنيات الحديثة في تطويع السرد العربي لإنشاء محتوى مناسب للجميع، وكما يناقش تأثير أدوات الذكاء الاصطناعي على صناعة المحتوى والإبداع البشري.

ويستمدّ هذا المؤتمر، الذي ستُعقد فعالياته في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، أهميته من كونه الأول من نوعه للنشر في العالم العربي، وهو يقوم بدور حيوي لتسهيل سبل الحوار بين جهات النشر، وصنّاع المحتوى، وقادة الفكر ورواد الأعمال على اختلاف منصّاتهم الإبداعية. لقد كانت الثقافة والفنون بمعناها الأوسع جزءاً أصيلاً من نهضة الدول والحضارات، وكانت أدواتٍ للإفصاح عن نفسها ولتخليد ذكراها في التاريخ الإنساني، وفي إطار تزايد التفاعل بين الإبداع البشري والتكنولوجيا والمعرفة، تطورت الصناعات الثقافية والإبداعية في العقود الأخيرة تطوراً هائلاً لتصبح لَبِنة أساسية في صرح الاقتصاد وبناء الدول، وهو ما فطنت إليه دولة الإمارات بشكل مبكر.

*عن نشرة«أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.