المنظمات الإقليمية تشكل ثقلاً مهماً للدول المنتسبة لها حين تكون منظماتٍ فاعلة وقادرة على صناع الفرق، وهي ذات أثرٍ كبيرٍ على المنظمات الدولية الأكبر والأوسع تمثيلاً، وأنجح المنظمات الإقليمية في العالم العربي هي «مجلس التعاون الخليجي» وفي القمة العربية المنعقدة في جدة قبل أيام ظهرت الجامعة العربية كمنظمة إقليمية، وهي تظهر نفسها في ثوبٍ جديدٍ قشيبٍ يختلف عن تاريخها القديم.

«عودة سوريا» للجامعة العربية أحد أبرز ما جرى في هذه القمة الناجحة، وهي التي عرفت بقمة لمّ الشمل وإنهاء الصراعات، وقد عادت سوريا بعد أكثر من عقدٍ من الزمان جمّدت فيه عضويتها، وقد كان لدولة الإمارات قصب السبق في التواصل مع سوريا ومحاولة إعادتها للصف العربي.

مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية بداية العام الماضي اشتدت بشكل غير مسبوقٍ وتيرة الاستقطاب الدولي وكانت العقوبات والقرارات والسياسات قوية وصارمة وهددت كل منتجات «العولمة» وهددت «النظام الدولي» بأسره، ولكن الدول العربية الحية والفاعلة وعلى رأسها الإمارات والسعودية رفضت ذلك الاستقطاب وخطت طريقاً دولياً جديداً يعبّر عن الحياد الإيجابي تجاه تلك الحرب الساخنة والباردة، وهو ما مكنها من لعب أدوار وساطة متعددة خلال الفترة الماضية من تبادل الأسرى إلى تلمس سبل الحلول السلمية والحوار.

ومن هذا الموقف حرص طرفا الحرب على مخاطبة القمة العربية في جدة، فأرسل الرئيس الروسي بوتين رسالة للقمة وحضر الرئيس الأوكراني بنفسه للقمة، ولولا ذلك الحياد المهم والمؤثر لما أمكن أن يتوجه الرئيسان المتحاربان لنفس القمة بخطابيهما لشرح مواقفهما تجاه القضايا التي تهمهما وتهم القمة العربية.

ألقيت في القمة كلمات مهمة عبرت عن سياساتٍ ومواقف ورؤى كل دولةٍ عربيةٍ تجاه القضايا التي تهمها وتهم الأعضاء، وكان لافتاً عبارةٌ جاءت في كلمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قال فيها: «أخذاً في الاعتبار أن حالة الاستقطاب الدولي أصبحت تهدد منظومة العولمة التي كان العالم يحتفي بها وتستدعي للواجهة صراعاً لفرض الإرادات وتكريس المعايير المزدوجة في تطبيق النظام الدولي»، وهي كلمة مهمةٌ تصف الحالة التي وصل إليها العالم بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

في 6 يونيو من العام الماضي كتب كاتب هذه السطور في هذه الجريدة وهذه المساحة ما نصه: «في بداية الحرب قادت أميركا ومعها بريطانيا تصعيداً غير مسبوقٍ ضد روسيا وهددت النظام العالمي بأسره الذي شاركت في بنائه وترسيخه»، وقبل ذلك كتب أيضاً «العولمة بكل منتجاتها وعلى المستويات كافة أصبحت في مهب الريح بسبب أزمة واحدة، وأصبح التناقض كبيراً بين مصالح الاقتصاد ومكاسب السياسة واختلافات الثقافة على المستوى الدولي» وفي 24 مارس 2022 نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» حواراً مع أحد أكبر المديرين التنفيذيين في عالم المال، لاري فينك، قال فيه: «إن الحرب الأوكرانية تمثل نهاية العولمة».

«النظام الدولي» يعمل منذ عقودٍ وهو نجح في تجنب الكثير من الحروب والصراعات وإن لم يستطع إلغاءها كما نجح في تحويل بعض الحروب والصراعات من ساخنة وخشنة إلى باردة وناعمة، وخرجت في ظله منتجاتٌ فكرية كبرى، مثل «العولمة» أفكاراً ومبادئ، ومؤسساتٍ وآلياتٍ، وأنظمة وقوانين، وعلى الرغم من ذلك كله فهو تعرض ويتعرض لانتقاداتٍ واسعةٍ بغرض تطويره ليلبي احتياجات الدول كافة، وقد انخرطت دول العالم في «العولمة»، ومن هنا فقد كان واضحاً للمتابع والمحلل حجم الخطر الذي دفعت إليه حدة الاستقطاب الدولي قبل عامٍ ونيفٍ. أخيراً، فقد صدق الرئيس السيسي في وصفه الدقيق لحالة العالم وآثار الاستقطاب الدولي الحاد عليه، وهو يفتح فرصة للتأمل والتمعن.

*كاتب سعودي