الحيتان كائنات ذكية تتواصل عبر مسافات شاسعة وتقيم علاقات تستمر مدى الحياة، وللأسف، فإن شيئاً واحداً فقط لا تستطيع هذه المخلوقات الرائعة عمله، إعفاء البشر من خطاياهم الخاصة بانبعاثات الكربون.

قبل سنوات قليلة، اقترحت مجموعة من الاقتصاديين استخدام الحيتان لمكافحة التلوث، وتجلت فكرتهم في الآونة الأخيرة فيما عُرف بمشروع «احتجاز الكربون في الحيتان»، وهو ائتلاف يضم الحكومة الكندية يتطلع إلى «أساليب قابلة للتطوير وقابلة للتكرار لتحفيز مراقبة الحيتان وحمايتها»، لا يختلف المشروع كثيراً عن الرؤية التي تدعم زراعة الأشجار بما يسمح للأفراد والشركات بإلغاء انبعاثات الكربون.

وتتلخص الفكرة في أن الحيتان تحتجز قدراً كبيراً من الكربون في أجسامها الضخمة، كما أن تغوطها يوفر مصدراً غذائياً للعوالق النباتية، التي تمتص كميات أكبر من الكربون. كما أن أجسادها تستقر في قاع المحيطات عندما تنفق، لتحتجز الكربون في المياه العميقة لمئات السنين.

ومن ثم، فإن حماية الحيتان تُعد من الناحية النظرية طريقة لاحتجاز الكربون ومحاربة الاحترار العالمي. كما أن الإنفاق على إنقاذ الحيتان يُعد من الناحية الفنية شكلا من أشكال انغماس الكربون. إنها تدخل بشكل مثالي في فئة أفكار التعويض التي تعتمد على المياه والمعروفة باسم «الكربون الأزرق». إنها تصور جذاب لكن دون أن نأخذ في الاعتبار تعقد نظام المحيطات، ودون ذكر التداعيات الأخلاقية لاختزال كائنات واعية لتصبح مدخلات تقرير للأرباح. وهي فكرة لا يوافق عليها عدد كبير من علماء المناخ وعلماء المحيطات. في وقت سابق من هذا العام، قبل انتشار أخبار المشروع، نشر عدد من العلماء ورقة عن احتجاز الكربون في الحيتان كمزحة. ودعوا، إلى جانب أشياء أخرى، إلى العودة إلى اقتصاد الزيوت المعتمد على الحيتان، وهو مدى لم يصله مشروع احتجاز الكربون.

لكن عندما رأى زيك هاوسفازر أحد المشاركين في كتابة الورقة الساخرة، مخطط تعويض الكربون، شعر بأنه مُلزَم بتذكير الجميع بأن فكرته كانت مزحة بكل ما تعنيه الكلمة، مؤكداً في مقابلة أن «حماية الحيتان وتجديدها» واجب على البشر وليس لمنافع تتعلق بالكربون وإنما لأنها تلعب أدواراً مهمة في النظام البيئي ولها حق في الوجود بغض النظر عن فائدتها للبشر. أول مشكلة في فكرة التعويض من خلال الحيتان هي ما يُعرف في المصطلحات المناخية باسم «الإضافية». كيف لنا أن نتأكد من أن الحيتان التي نراها تمرح قبالة جزر لونج آيلاند تهب أجسادها بشكل محدد لامتصاص كربون اشترته شركة ما؟ ولا يمكن لنا أن نتأكد من ذلك أبداً دون إنشاء مفرخات للحيتان.

يقترح مشروع احتجاز الكربون في الحيتان استخدام الطائرات والأقمار الاصطناعية لتتبع الحيتان والعوالق النباتية الأخرى لدعم أرقام ائتمان الكربون الخاصة بها. لكن ذلك يحل فقط مشكلة حصر عدد الحيتان لا مشكلة أصولها. ويثير ذلك مشكلات مماثلة لمشكلة زراعة الأشجار للتعويض اعتماداً على الغابات والتي أظهرت الدراسات بشكل مستمر أن ما تعد به بخصوص التخلص من الكربون أكبر بكثير من المتحقق بالفعل. والحيتان لديها سجل حافل أطول في الوجود، وزادت أعدادها بسبب القيود الأخلاقية التي تحد من صيدها. هناك مشكلة أكبر، ذلك أن لا أحد يعرف حقيقة كمية الكربون التي تحتجزها الحيتان بالفعل أو إلى متى. قد يحتجز الحوت 33 طناً من الكربون في جسده، وهو يعادل ما يمكن أن تحتجزه 1400 شجرة تقريباً في عام.

ووفقاً لتقدير يشار إليه كثيراً، إن قتل الحيتان وتصنيعها أطلق 70 مليون طن من الكربون في الغلاف الجوي. قد تبدو تلك كمية كبيرة قبل أن نعرف أنها تعادل تقريباً انبعاثات الكربون من 15 مليون سيارة في عام. هناك أكثر من 290 مليون سيارة في الولايات المتحدة وحدها، معظمها يحرق البنزين.

وتزداد الأرقام ضبابية إذا حاولنا قياس إمكانية تخزين الكربون لدى العوالق المائية، من الممكن أن تحتجز 37 مليون طن في العام تقريباً، حسب تقديرات الاقتصاديين، أو نحو 40 بالمئة من انبعاثات الكوكب كله. لكنّ قدراً كبيراً من تلك الانبعاثات من الكوكب قد عاد تدويرها في الغلاف الجوي بسرعة كبيرة لا يمكن اعتباره معها عزلاً فعلياً، حسبما أشارت دراسة حديثة أعدتها عالمة أحياء بحرية وآخرون. يُشير الاقتصاديون الذين طرحوا المشروع إلى أن قيمة الحوت قد تصبح مليوني دولار بما في ذلك كمية الكربون المحتجز.

لكن مزايا المشروع تظل غير مؤكدة إلى حد لا يسمح بتحديد قيمة ذات مصداقية لكل دولار- وهي خطوة مهمة لتعويض انبعاثات الكربون من خلال الحيتان. لكن ألن يكون إغراء الشركات باستخدام الحيتان لتعويض الكربون يجعلها تتوقف عن قتلها بسفنها، والتي من المحتمل أن تكون السبب الرئيسي لموجة نفوق الحيتان مؤخراً، وليست مزارع الرياح كما كان يُعتقد؟

إن جعل التلوث أكثر تكلفة وصعوبة من خلال تسعير الكربون والتنظيم والتطبيق هو أضمن طريقة لإنقاذ كل من الحيتان والبشر، بدلاً من السماح للشركات بإحداث فوضى في أنظمة المحيطات التي تعتمد عليها الحيتان والحياة البحرية الأخرى. *كاتب متخصص في شؤون تغير المناخ.

ينشر بترتب خاض مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»