كما هي العادة كُتِب عن قمة جدة الأخيرة وسيُكتب الكثير، لذا أُركز في هذه المقالة على ملاحظات ثلاث، تتعلق أولاها بدلالة حضور الرئيس السوري للقمة، والثانية باستقرار انعقاد القمم العربية، والثالثة بحضور الرئيس الأوكراني ومخاطبته القمة. أما حضور الرئيس السوري فكان ثمرةً للقرار العربي الذي تأخر كثيراً لاعتبارات سورية وعربية وإقليمية وعالمية معقدة، لكنه أتى في النهاية، ولابد في هذا السياق من التذكير بالسياسة المتوازنة لدولة الإمارات تجاه الصراع في سوريا، والدور الريادي لها في إعادة العلاقات العربية مع سوريا، حيث أُعيد افتتاحُ سفارة الدولة في دمشق في ديسمبر 2018، كما تهاتف قائدا البلدين في مارس 2020 بمناسبة جائحة «كوفيد-19»، ثم زار سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية دمشقَ في نوفمبر 2021 والتقى الرئيس السوري، الذي سيؤدي بعد ذلك زيارة للإمارات في أول رحلة خارجية له إلى دولة عربية منذ اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011. وكان لهذا السبق دلالته المهمة على أن تَعَقد الظروف، سواء على المستوى العربي أو الإقليمي أو العالمي، لا ينبغي أن يمنع دولةً ما من اتخاذ الخطوات التي تراها صحيحة وضرورية لحل مشكلة بعينها.
وبعد الجهد الإماراتي تميز الجهد الجزائري قبل قمة الجزائر في نوفمبر الماضي بمحاولة استكمال خطوات عودة سوريا لأسرتها العربية. ثم أخيراً تكللت الجهود الإماراتية والجزائرية وغيرها بالنجاح في قمة جدة. وكان مما يدعو للاعتزاز أن التئام الشمل العربي قد تم رغم معارضة دولية قوية حاولت عبثاً التدخلَ في القرار العربي.
أما الملاحظة الثانية فتنصرف إلى دلالة انعقاد قمة جدة وأعمالها بخصوص انتظام عقد القمم العربية، فمن المعروف أن بروتوكول دورية انعقاد القمم العربية الذي وافقت عليه قمة القاهرة عام 2000 قد نص على الانعقاد السنوي للقمة في مارس، وقد انتظم تطبيق هذا البروتوكول اعتباراً من قمة عمان 2001، ولم يحدث استثناء له إلا في عام 2011 بسبب أحداث ما عُرف باسم «الربيع العربي»، كما أن انعقاد القمم تأجل شهوراً في بعض الأحيان، إما بقرار من الدولة المضيفة، كما في قمة تونس عام 2004 لأسباب قدَّرتها، أو لاعتذار الدولة المضيفة كما في قمة 2016 التي استضافتها موريتانيا بعد اعتذار المغرب.. غير أنه كان واضحاً بأن انتظام انعقاد القمم بات يواجه مشكلاتٍ حقيقيةً بعد قمة تونس عام 2019، إذ لم تُعقد قمة الجزائر، لا في عام 2020 ولا في عام 2021، بل عُقدت أخيراً في نوفمبر الماضي. وبانعقاد قمة جدة بعد أقل من سبعة شهور على قمة الجزائر، بدا واضحاً أن قطار القمة قد عاد إلى قضبانه، والأكثر من هذا أن عاهل البحرين في كلمته أمام القمة حرص على أن يؤكد التزام بلاده بانعقاد القمة في البحرين عام 2024، كما حرص رئيس وزراء العراق في كلمته على أن يؤكد التزام العراق باستضافة قمة 2025، وهو ما يؤكد الاطمئنان لمستقبل انتظام انعقاد القمم العربية.
أما الملاحظة الأخيرة فتتعلق بدعوة الرئيس الأوكراني لحضور القمة والتي بدت مفاجئة للبعض، وقد أثارت جدلاً بين مَن اعتبروها خروجاً على الموقف العربي المتوازن تجاه الصراع في أوكرانيا، والذي اتضح في الجمع بين الموافقة على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة روسيا من ناحية، والاستمرار في العلاقات الطبيعية معها وعدم المشاركة في العقوبات التي فرضها عليها التحالف الغربي من ناحية أخرى، بل واتخاذ كبريات الدول العربية المصدرة للنفط قرارات مستقلة تماماً على عكس الرغبة الأميركية بشأن تخفيض سقف الإنتاج. ومن ناحية أخرى رأى البعضُ أن هذه الدعوة ربما تعكس رغبة في القيام بدور وساطة، أو رغبة في تأكيد استقلالية القرار. 

*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة