سوف يصبح الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب ملازماً لنا ولا غنى لنا عنه، شئنا ذلك أم أبينا، وسيكون تأثيره على السياسة والديمقراطية عميقاً للغاية، ولا سيما أن العالم اليوم في بداية عصر هيمنة الخوارزميات والآلة على الإنسان ورقمنة الإنسان مقابل أنسنة الآلة، وهذا العصر المحوري هو بداية «إنسان نهاية التاريخ»، وتحول العنصر البشري إلى هجين بين الطبيعي والصناعي. 

وإذا تحدثنا من جانب آخر عن المستوى الأساسي، فإن الواقع الافتراضي (VR) هو استخدام التكنولوجيا لإنشاء وهم سمعي بصري غامر ومقنع للواقع رقمياً، ولا ينبغي الخلط بينه وبين الواقع المعزّز(AR)، والذي يضيف معلومات رقمية سياقية تتفوق على العالم الحقيقي، والهدف هو استبدال العالم الحقيقي بعالم افتراضي واقعي، وطليعة حرب التكنولوجيا البيضاء الساخنة بين الصين والولايات المتحدة من جهة، وباقي العالم من جهة أخرى، مع تقدم الصين في أبحاث وتجارب واجهة الدماغ والحاسوب (BCI)، والتطورات في عدد من التقنيات مثل الكشف عن مخطط كهربية الدماغ التدخلي وتجميع مخطط كهربية الدماغ في الأوعية الدموية.
ما نشاهده اليوم في مسلسلات وأفلام الخيال العلمي هو أمر يمكن تحقيقه نظرياً وبعضه قد تحقق وإنْ كان غير معلن، وهو بمثابة التشفير الاستراتيجي للتفوق ما فوق النوعي، الذي لا تريد الدول الكبرى الكشف عنه في الوقت الحاضر، وستعاني الدول والشركات ومراكز الأبحاث من مجموعة كبيرة ومتنوعة من العقبات التكنولوجية والاجتماعية قبل أن تكتسب منتجاتها قبولاً واسعاً في السوق، ولدى غالبية أفراد المجتمع، وخاصةً أن الشركات العملاقة مثل Facebook وSony وGoogle ستتحكم في سوق سماعات الرأس للواقع الافتراضي والتي ستكون خطوة أولى لرقمنة المجتمعات بصورة جماعية. 
سوف يأخذ الذكاء الاصطناعي التوليدي النمذجة السياسية وتحليل المشاعر إلى مستوى آخر، وسيتم نشره في الدوائر السياسية لتخصيص الرسائل للناخبين الفرديين، وستصبح النصوص التي تم تخصيصها بناءً على سجل التصويت السابق أو المشكلات التي تهتم بها أكثر دقةً، وسيقوم الذكاء الاصطناعي بفحص كميات كبيرة من البيانات للمساعدة في اتخاذ قرارات سياسة الحكومات، ويمكن أن تتنبأ وتساعد في منع حالات معارضة الحكومات، وتحسين الخدمات العامة ومجالس عامة للسكان للمساعدة في التيسير وجمع المعلومات، وبناء توافق الآراء وتوليد الأفكار ومراقبة توجهاتهم وتلبية رغباتهم قبل أن يعلنوا عنها، والحد من المعلومات الخاطئة والمضلّلة والتزييف العميق وتقويض أو تعزيز القيم والمبادئ التي ترغب الحكومات أن تسود بين السكان، ولكن ستواجه الدول هنا تحديات مثل أن يتم غزو سكانها من دولة أخرى، والسيطرة على مفاصل المجتمعات والاقتصاد والصناعة والمعرفة دون أن يتحرك فرد واحد من الدولة الغازية أو أي قطعة سلاح واحدة، وستصبح عملية تقويض الثقة والعقد الاجتماعي في متناول اليد للأفراد والجماعات والتنظيمات مثلما هو في متناول الحكومات.
وبشكل عام يتمتع الذكاء الاصطناعي بإمكانية التأثير بشكل كبير على الاتصالات الاستراتيجية والسياسية، ومن المهم أن يتم فهم هذه التأثيرات وإدارتها بشكل مناسب لضمان استخدامها بشكل أخلاقي وفعّال، واتخاذ خطوات لضمان استخدامه بطرق تعزّز القيم الإنسانية وتحمي حقوق الإنسان، وهو مربط الفرس لكون السياسة هي فن الممكن والغاية فيها تبرر الوسيلة واقعياً، وبالتالي سيشكل الذكاء الاصطناعي تهديداً على الحكومات يفوق التهديد العسكري والإرهاب والجريمة المنظمة والتنافسية الاستراتيجية في المجالات الحيوية بين الدول، وهذا ما يدفعنا للتساؤل: هل هياكل الحكومات الحالية مصممة للتعامل مع خطر وتهديد وتحدي الذكاء الاصطناعي؟ وهل الأفراد العاملون في تلك الأنظمة مؤهلون ولديهم التأهيل الاستراتيجي وأنماط التفكير التي تكفل التصدي لخطر وتهديد الذكاء الاصطناعي؟ الذكاء الاصطناعي سيكون سلاح تغيير الحكومات وإسقاطها وتحديد من هم الأشخاص والأحزاب الذين سيحكمون الدول، من خلال الشبكات التواصلية الاجتماعية والإعلام الموازي غير الرسمي والهندسة الاجتماعية الرقمية.
*كاتب وباحث إماراتي في التعايش السلمي وحوار الثقافات