يتعرض تطبيق «تيك توك»، لضغوط هائلة من دول عدة حول العالم واتجاه إلى حظره وحذفه من أجهزتهم، لأسباب مختلفة، كل حسب توجهه، في حين يرى بعض المهتمين أنه يستطيع لعب دور فاعل في إعادة الروح إلى القراءة وأنه أداة يمكن استخدامها كأي أداة أخرى فيما ينفع أو فيما يضر.
وقد أعاد إلى واجهة هذه المواجهات الحضور اللافت للشباب الذين زاروا أروقة معرض الكتاب في باريس، مؤخراً، فمن بين المائة ألف كان نصفهم من الشباب دون الخامسة والعشرين، وكان الإقبال منقطع النظير.
لم يكن السبب راجعاً إلى مجانية الدخول، التي تمنح لهذه الفئة العمرية في فرنسا، بل إلى تطبيق «تيك توك»، كما يرى ذلك المنظمون الذين يؤكدون أن «تيك توك» قام بعمل دعائي مهول لاجتذاب هذه الفئة العمرية إلى معرض فرنسا للكتاب، الذي يعدّ من أهم المعارض في العالم، ويجتذب العديد من الزوار من مختلف الأعمار والجنسيات.
ويعدّ «تيك توك» واحداً من أكثر المنصات الاجتماعية شعبية لدى الشباب، ولذلك، فإن استخدامه في الترويج للكتب والقراءة، يمكن أن يصبح له تأثير كبير في جذب الجمهور من الشباب للمعرض وزيادة الإقبال على الكتب والقراءة بشكل عام.
ويمكن لمجتمع «تيك توك» المخصص للكتب والقراءة، أن يساعد على تشجيع الشباب على القراءة وتبادل الآراء والأفكار حول الكتب والمؤلفين والموضوعات المختلفة، كما يمكن للمجتمع أن يعزز التواصل بين القراء والمؤلفين والناشرين، أيضاً.
وبالتالي، فإن النجاح الذي حققته منصة «تيك توك»، ومجتمعها الافتراضي في الترويج للكتب والقراءة، يمكن أن يكون له تأثير كبير في زيادة الوعي بأهمية القراءة، وتحفيز الناس على الاهتمام بها والتوجه إلى المعارض الثقافية مثل معرض فرنسا للكتاب.
من خلال هذه المنصة، يمكن أن يتبادل المستخدمون الأفكار والآراء حول الكتب، والتوصية بالكتب التي يرونها مفيدة أو ممتعة للقراءة، أو كوسيلة لإيصال المعلومات بطريقة ممتعة وسهلة الفهم، والتحفيز على مواصلة القراءة والتعلم، لاسيما للجمهور الشاب الذي يستخدم هذه المنصة بكثرة. كما يمكن أن يكون وسيلة لتعزيز التنوع الثقافي، للمستخدمين من مختلف الأعمار والثقافات والجنسيات، وتبادل الثقافات والمعرفة والأفكار من خلالها.
وبالرغم من أن «تيك توك» ليس المنصة الوحيدة المستخدمة في تعزيز الثقافة والقراءة، وأن هناك العديد من المنصات الأخرى والمبادرات التي تعمل على التحفيز على القراءة وتعزيز الثقافة في المجتمع، إلا أن الاهتمام بالثقافة والقراءة يجب أن يكون جهداً مشتركاً بين المؤسسات الثقافية والتعليمية ووسائل التواصل الاجتماعي والمجتمع بشكل عام، فالقراءة جزء أساس في التعلم والتطور الفكري والمعرفي للفرد والمجتمع بشكل عام، وتساعد على توسيع آفاق الفكر وتعزيز الوعي.
وتعدّ «تيك توك» منصة اجتماعية شهيرة يستخدمها ملايين الأشخاص من مختلف الأعمار والثقافات والجنسيات، ويمكن استخدامها بطرق مختلفة ولأغراض تصل إلى حد التناقض. وإذا تجاوزنا كيدية التنافس بين الشركات والدول من ورائها، فينبغي لنا أن نقف موقفاً حيادياً تجاه المنصة، ويتجه دعمنا أو نقدنا للمحتوى.
فبقدر ما يمكن أن تستخدم لتعزيز الثقافة والقراءة، ومشاركة أقوال ومقتطفات من الكتب المفضلة لديك، أو مشاركة قصص قصيرة أو نصوص شعرية أو رسومات للتعبير عن الأفكار والمشاعر، أو لتنظيم مسابقات وتحديات تتعلق بالثقافة والقراءة، مثل تحدي القراءة الصيفي أو تحديات تصميم غلاف كتاب أو تحديات الاقتباسات المفضلة من الكتب.. هذه الفعاليات التي يمكن أن تحفز على الاهتمام بالارتقاء بالوعي والإثراء المعرفي، فإنها بالقدر نفسه يمكن أن تكون معول هدم بترويج برامج تنشر الكراهية وتزرع الفتن وتؤجج الحروب وتبرر الجريمة.
وبقدر ما يمكن أن تصنعه أو تساهم به هذه المنصة وغيرها في تطوير المهارات اللغوية والتعبيرية من خلال المسابقات وتحديات القراءة الجهرية وغيرها، وتوظيف التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي لتحفيز الناس على الاهتمام بالثقافة والقراءة، وتعزيز الوعي بأهميتهما في تطوير المجتمع وبناء مستقبل أفضل للإنسانية، فإنها يمكن أن تكون مطية للفكر المنحل وللانسلاخ عن المجتمع وتراثه وقيمه الإنسانية النبيلة وتأجيج الغرائز الشيطانية، وخلط الأوراق بشتى الذرائع لتعميم الشرّ وكأنه حالة اعتيادية.
ومن خلال مشاهداتي، أعتقد أن منصة «تيك توك» سيف ذو حدّين، فمن جعلها في خانة الشياطين ليس مخطئاً، فهي كذلك بالمحتوى الهابط الذي تعجّ به ويجد طريقه إلى عقول الخدّج من الفئات العمرية التي يمكن غسل أدمغتها وزرع من يشاء ما يشاء فيها.
لكن الذي يرى عكس ذلك معه الحق كله أيضاً، فالخلل ليس في الوعاء وإنما في المحتوى، فإذا كان المحتوى الهابط يجد الصانع والمروّج والمضخِّم ويلاقي صدى في نفوس الشباب والمراهقين وأصحاب العقول الخاوية من الوعي والثقافة، فهنا يأتي دور الدول والمؤسسات العاملة على بناء الإنسان وتطوير الوعي، وحشد الجهود لصناعة المحتوى المتميز الذي يكتسح المحتوى البائس، ويساعد في تعزيز القيم الخيرة في المجتمع وبناء الإنسان وترسيخ الوعي والقدرة على التمييز بين النافع والضار، لاسيما في الجمهور الشاب الذي يستخدم هذه المنصة بكثرة.
*كاتبة سعودية