دخلت على الخط الساخن للصراعات، أشباهُ الموصلات لصناعة الرقائق الإلكترونية والرمال البيضاء. و هنا نركز على صناعة أشباه الموصلات التي كانت حديث الاقتصاد عندما حلت كارثة كورونا على العالم. وتوقفت معظم المصانع عن الإنتاج بسبب النقص في صناعة أشباه الموصّلات وصعوبة إيصالها إلى خطوط التصدير العالمي. وهذا النوع من الاقتصاد المايكروزمي الدقيق لا يقل أهميةً عن أي اقتصاد كلي. إن صح أن نطلق عليه اقتصاد أشباه الموصلات، وهي في حقيقتها موصلات إلكترونية لا تستغنى عنها أي وسيلة مواصلات في العالم، وإن كان مركزها في تايوان، فإن امتدادها من بكين إلى واشنطن ومن ثم إلى العالَم أجمع.
والمنافسة هنا ثلاثية الأبعاد؛ أي بين الصين وأميركا وتايوان. وهذه الرقائقُ الإلكترونية الدقيقة أدخلت العالَم في حالة صعبة، إذ أصبحت كثير من دوله الصناعية تلف حول جزيرة تايوان، رغم أنها دول عظمى كانت لا تغيب يوماً عن مسرح الأحداث العالمية، سواء أكانت أحداثاً اقتصادية أم سياسية.. لتتحول المنافسة إلى خانة التحديات الجيوسياسية على مستوى العالم. 

وتايوان جزيرة صينية أعلنت انفصالها من جانب وحد عن البر الصيني، دون أن تحصل على الاعتراف الدولي، حتى من جانب داعمها الرئيسي والأكبر أي الولايات المتحدة التي ما فتئت تعلن التزامها بمبدء «صين واحدة». وجزيرة تايوان مهمة للصين ولبعدها الاستراتيجي في المحيط الهادئ، والذي من خلالها يمكن التحكم في الممرات التجارية ببقية المحيطات والبحار. وهي قيمة مضافة للاقتصاد الصيني الذي يعد نقطة القوة المركزية التي تحسب لها أميركا ألف حساب. ولو علمنا حجم الناتج الإجمالي لتايوان لأدركنا حقيقة ذلك، إذ بلغ هذا الناتج قرابة 600 مليار دولار لجزيرة لا تزيد مساحتها عن 36,197 كيلومتر مربع وعدد سكان لا يتجاوز 23 مليون نسمة.
والأهم في هذا الموضع بالنسبة للعالم الأكبر هو أن تايوان تعد أضخم وادٍ للسليكون، وقد بلغت صادراتها منه قرابة 118 مليار دولار، منها نسبة 40% مصدَّر للصين.
وقد تحولت أشباه الموصلات إلى واحدة من أدوات المواجهة بين أميركا والصين، وحسب وكالة «بلومبيرغ» في 21/10/2022 فإن إدارة بايدن تدرس إمكانية فرض ضوابط جديدة على الصادرات المتعلقة برمجيات الذكاء الاصطناعي، وذلك في إطار منع الصين من الوصول إلى أحدث تقنيات الحوسبة الناشئة، وبغية إعاقة قدرتها على نشر أشباه الموصلات المتطورة في الأسلحة وأنظمة المراقبة.
هذا وستنفق وزارة الخارجية الأميركية 500 مليون دولار لتحقيق الاستقرار والتوسع في مجال التصنيع العالمي لأشباه الموصلات، ولتأمين سلاسل توريد أشباه الموصلات، وتطوير ونشر تكنولوجيا معلومات واتصالات آمنة وجديرة بالثقة.
وكان مشروع قانون أشباه الموصلات والعلوم لعام 2022، والمدعوم من الحزبين، والمؤلف من حزمة مالية قدرها 280 مليار دولار، وقّعه بايدن ليصبح قانوناً نافذاً في أغسطس 2022، قد خصص الأموالَ التي تدعم المبادرات الجديدة مع الحلفاء والشركاء الأميركيين.

*كاتب إماراتي