تنتهي اليوم فعاليات الدورة الثانية والثلاثين لمعرض أبوظبي للكتاب الذي يعد إحدى التظاهرات الثقافية الملهمة في العالم العربي، بعد سبعة أيام حافلة بالأنشطة لتعزيز ثقافة القراءة وتنوير العقول وبناء جيل واعٍ متسلّح بالعلم والمعرفة، ليثبت المعرضُ أنه بات بالفعل منارةً للفكر وملتقى للثقافات.

وقد جمع المعرضُ في هذه الدورة أبرزَ دُور النشر، إلى جانب المكتبات والوكالات والمؤسسات الثقافية والنوادي الصحفية والمراكز البحثية، كما استقطبت فعالياته كوكبة من العلماء والمفكرين والأكاديميين والأدباء والفنانين، للحوار والنقاش البنّاء والهادف حول حزمة من القضايا الحيوية. وفي الواقع، فإن المعرض الذي تم إطلاقه عام 1983 بتوجيهات القائد المؤسس وباني نهضة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يؤكد مدى اهتمام القيادة الرشيدة بحقل الثقافة وقيمة العلم وحركة الفكر والترجمة، لكي تواصل دولة الإمارات مسيرتَها التنمويةَ ممسكةً بتلابيب العلم وأدوات العصر.

وقد استطاع المعرضُ أن يرسخ مكانتَه كوعاء معرفي يعزز الوعي الثقافي لدى النشء، ويقدّم لهم فرصًا للتعليم المستمر الذي يسهم في تنمية مهاراتهم وصقل قدراتهم، وقد شاركت وزارة التربية والتعليم بفاعلية في أنشطة هذه الدورة، حيث استعرضت أبرزَ المستجدات في القطاع التعليمي وانعكاساتها على الطلبة بما في ذلك سبل تسخير الحلول التكنولوجية الرقمية في تطوير محتوى تفاعلي ومبتكر يعزز قيمةَ الابتكار في المناهج التعليمية، كما شهد المعرض برامج تثقيفية للطلبة تضمّنت مجموعة من الجلسات شارك فيها العديد من الأدباء والكُتّاب بهدف الإثراء المعرفي.

وقد شهدت دورةُ المعرض، التي تُختَتم اليوم، ما يزيد على 2000 فعالية ثقافية وأدبية ومعرفية وفنية، وشهدت مشاركةَ أكبر عدد من العارضين والناشرين بإجمالي يتعدى 1300 عارض من أكثر من 85 دولة قدّموا ما يربو على 500 ألف عنوان. وكان من اللافت للنظر احتفاء المعرض هذا العام بمفهوم «الاستدامة»، بالتزامن مع إعلان دولة الإمارات عام 2023 عامًا للاستدامة، وقبيل استضافتها «كوب 28» في نوفمبر المقبل، حيث خَصّص العديدَ من الجلسات الحوارية حول تفعيل الاستدامة بمفهومها الشامل في شتّى المجالات.

ومما لا شك فيه أن اختيار المعرض في دورته الثانية والثلاثين عَلمًا من أعلام الحضارة العربية ليكون شخصيته المحورية وهو المؤرخ وعالم الاجتماع ابن خلدون، الذي تعمق في بنية المجتمعات وكتب عن تطور الأمم والشعوب، يؤكد الأهمية الكبيرة التي تُوليها دولة الإمارات لاستلهام القيم النهضوية من تاريخنا الحضاري. إن دولة الإمارات التي تمضي في مسيرتها التنموية الشاملة بخطى واثقة، تدرك أن الثقافةَ مكونٌ أساسي في ترسيخ نهضتها واستئناف الحضارة العربية من جديد، ولذا يحظى معرض أبوظبي للكتاب، وغيره من معارض الكتب الأخرى التي تشهدها الدولة، بأهمية كبيرة للغاية.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.