يمكن التماس العذر لأي أب ساخط يريد أن يكون لديه ابنة مثل «أليماتو سيساي»، التي تبلغ من العمر 16 عاماً، والتي لديها طموحات عالية لكنها لا تستطيع تحمل تكاليف الكتب المدرسية، لذا فهي تستعيرها من زملائها الأكثر ثراءً وتدرس النصوص في الخارج كل ليلة باستخدام مصباح يدوي لأن منزلها الصغير مزدحم وليس به كهرباء. أليماتو واحدة من سبعة أطفال، توفي والدها منذ سنوات، وأمها أمية، وفي بعض الأحيان يتعين عليها أن تمضي طوال اليوم دون عندما لا يكون لدى أسرتها المال.

لكنها طالبة رائعة في طريقها لتحقيق حلمها في أن تصبح محامية بسبب ثورة تعليمية تشهدها سيراليون حالياً. (وعندما تصبح محامية، تقول إنها ستشتري منزلاً لأمها). في عام 2018، حظرت الحكومة في سيراليون الرسوم المدرسية، التي منعت والدي «أليماتو» والملايين غيرهم من الالتحاق بأي مدرسة على الإطلاق. كما حظرت السلطات العقاب البدني في المدارس وعززت الاستثمار في التعليم، مع تخصيص أكثر من 20% من الميزانية الوطنية لدفع رواتب المعلمين وتجديد المدارس ونفقات التعليم الأخرى.

وكانت النتيجة زيادة بنسبة 50% في الالتحاق بالمدارس وكذلك تحسن واضح في جودة التعليم، مع استفادة الأطفال الفقراء أكثر من غيرهم. قد تقدم سيراليون نموذجاً يوضح كيف يمكن حتى لدولة فقيرة جداً، لا تزال تتعافى من تفشي فيروس إيبولا خلال الفترة من 2014-2016، والتي أعقبت حرباً أهلية وحشية استمرت 11 عاماً، أن تحقق المزيد من المساواة في التعليم المدرسي، وذلك بالعزيمة المطلقة والقيادة. يمكن للولايات المتحدة والدول الأخرى أن تتعلم أموراً كثيرة من مدارس سيراليون المتداعية.

ومع ذلك، فإن تجربة سيراليون الكبيرة والواعدة في مجال «التعليم المدرسي الجيد» غير مكتملة. على طول طريق ريفي في شمال سيراليون، رأيت العديد من الأطفال يقومون بأعمال زراعية في يوم دراسي، وليس يوم إجازة. تحدثت معهم، وبدا أن أحد أسباب تغيبهم عن المدرسة هو أنهم يتعرضون للضرب بالعصا بانتظام أمام الفصل لعدم دفعهم الرسوم. تساءلت: أليس هذا غير قانوني؟ رد عيسى، 16 عاماً: «أخشى أن أقول للمعلم أنه غير قانوني. سأُطرد من المدرسة». أقوم سنوياً برحلة أصطحب خلالها طالباً لبحث المشكلات العالمية ومحاولة إصلاحها.

وهذا العام فازت بالرحلة «مادي بيندر»، خريجة حديثة من جامعة «يل». كان التعليم محط اهتمام هذه المرة، حيث يجب أن يلتحق حوالي 60 مليون طفل في جميع أنحاء العالم بالمدرسة الابتدائية، ولكن هذا لم يحدث. وهناك أيضاً عدد أكبر لا يمكنهم الالتحاق بالمدرسة الثانوية.

تعالج سيراليون المشكلات التعليمية بطرق جريئة وواعدة، لكن القرارات التي يتم اتخاذها في العاصمة لم تصل إلى القرية التي يقطنها عيسى. وهو يقول إن مسؤولاً بالمدرسة يأتي إلى الفصل الدراسي، ويطلب من الأطفال المتأخرين عن سداد الرسوم أن يتقدموا ليضرب كلاً منهم أمام الفصل بأكمله ست ضربات بالعصا. من بين 52 طالباً في فصل عيسى، يتعرض 24 أو 25 طالباً للضرب كل أسبوع بسبب تأخرهم عن سداد الرسوم، فتيات وفتياناً على حد سواء، بحسب ما قال.

وأضاف: «بعض الأطفال يبكون»، موضحاً: «الضرب لإقناع آبائهم بدفع الرسوم المدرسية». قال شقيق عيسى الأصغر، وهو طالب في المدرسة الابتدائية، إنه تعرض هو الآخر للضرب بانتظام لعدم وجود نقود لدفع الرسوم المدرسية. وقال إنه من بين طلاب الفصل وعددهم 35 طالباً، يتم ضرب 15 طالباً بشكل روتيني لتأخرهم في السداد. بعد ذلك، قمت بزيارة المدرسة الابتدائية التي يذهب إليها هذا الصبي، حيث أنكر المسؤولون فرض رسوم مدرسية أو ضرب التلاميذ.

كان النفي غير مقنع، حيث إن كل معلم كان لديه عصا على المكتب. في مدرسة عيسى الثانوية، واجهت نفس الإنكار غير المعقول الذي قوضه وجود المزيد من العصي على مرأى من الجميع. تحدثت وأنا في طريقي إلى المكتب الإداري وسُمح لي بفحص السجل الذي أخبرني به الأطفال أنه يُستخدم لتحديد من سيُجلد. بالتأكيد: يسجل الدفتر كل طفل وما إذا كان قد دفع رسوماً تزيد قليلاً على 3 دولارات للفصل الدراسي الواحد. أثناء حديثي مع عدد من المعلمين، اعترف اثنان بطريقة غير مباشرة بفرض رسوم على الطلاب، وبررا ذلك بأنها الطريقة الوحيدة لدفع رواتب الموظفين عندما يكون التمويل الحكومي غير كافٍ بشكل جسيم. على مدار عدة أيام من المقابلات في عدد من القرى المختارة عشوائياً، قال جميع الأطفال والآباء الذين تحدثت إليهم تقريباً إنهم يتعين عليه سداد نوع ما من الرسوم: رسوم المدرسية، رسوم الكتب، رسوم الغداء أو رسوم القبول. في كل مدرسة ريفية تقريباً، قال الطلاب إنهم تعرضوا للجلد بسبب التقصير في الرسوم. شعرت بالحزن على فتاة تدعى أداماساي، 13 سنة، توفيت والدتها خلال هذا العام الدراسي. ونتيجة لذلك، لا يمكنها دفع الرسوم - لذا يتم جلدها أمام الفصل، خمس ضربات في كل مرة. تحدثت مع رئيس سيراليون، جوليوس مادا بيو، وهو مهندس البرنامج التعليمي، لأستفسر عما رأيته. بدا الرئيس متألما - لكنه لم ينكر ذلك.

وقال: «جلدوا لكونهم فقراء». وأكد أن التغيير يستغرق وقتاً وأن الحكومة ملتزمة بإنهاء هذه الانتهاكات. وفي الوقت نفسه، تحقق أليماتو تقدماً في المدرسة ولكنها ليس لديها سوى زي مدرسي واحد فقط ترتديه منذ عامين، ويجب أن يستمر لمدة عام آخر حتى تتخرج.

وليس لديها أيضاً سوى زوج واحد من الجوارب الذي جاء مع زيها الرسمي، وحافظت عليه - لأن ذلك قد يعني عدم اكتمال الزي الرسمي والاستبعاد من المدرسة. يجب أن يكون لدينا جميعاً أطفال مثل «أليماتو» يحافظون على زيهم المدرسي- ولديهم طريق للأمام لتحقيق أحلامهم. آمل أن تفي ثورة التعليم في سيراليون بوعدها وأن يتم نقلها إلى الخارج، مما يمنح الأطفال مثل «أليماتو» في جميع البلدان الفرصة للحصول على التعليم لتغيير حياتهم وتحسين الحياة في دولهم.

نيكولاس كريستوف*

*صحفي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»