ربما يكون الجانب الأكثر إثارةً للدهشة في زيادة سقف الدين الأميركي الذي وقَّع عليه الرئيس بايدن الأسبوع الماضي هو أنه بمجرد الانتهاء من كل الجلبة والضجيج، لم يقتصر الأمر على إقرار الكونجرس له فحسب، بل إقراره بسهولة. وربما كان السؤال الأكثر إثارةً للاهتمام الذي أثاره هذا النقاش بأكمله هو ما إذا كان يجب أن نكون مستعدين لمزيد من المفاجآت. ومع قانون المسؤولية المالية، قدم القادة من الجانبين عروضاً ترويجية لمؤتمراتهم الحزبية، لكن لم يكن هناك تدافع في اللحظة الأخيرة للحصول على أصوات. فقد كانت الهوامش مريحة بدرجة كافية. 
والقانون ينتهك المبدأ القائل بأن طريقة تقليص العجز هي الموازنة بين الزيادات الضريبية وخفض الإنفاق، ومن ناحية الإنفاق ينتهك قاعدة التكافؤ بين الإنفاق الدفاعي والإنفاق غير الدفاعي. وبالنسبة للجمهوريين، نبذت الصفقةُ تقريباً كلَّ مطالب مشروع قانون سقف الدين الحزبي الذي أقره مجلس النواب في أبريل. واستقر الجمهوريون أساساً على قانون الاعتمادات العادي المقترن ببعض التعديلات على برنامج مساعدة الغذاء التكميلي الذي يقول مكتب الميزانية في الكونجرس إنه لن يقلص الإنفاق. لكن ظهرت مشاعر إيجابية. 
وجزء من السبب هو أن كلاً من بايدن ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي سياسيان ليسا من أصحاب الأيديولوجيا أو خبراء السياسة، لكنهما شخصان واقعيان في الكونجرس الذي يعتبر مؤسسة مكروهة على نطاق واسع وعسيرة على الفهم. وتسمح التوقعات المنخفضة لكليهما بالخروج من العملية مع تعزيز سمعتهما الشخصية، وتجنب الآليات التي محصلتها الصفرية غالباً ما ابتليت بها السياسة الأميركية. والجزء الآخر هو أن صنع السياسات حقاً ليس لعبة محصلتها صفر. وكي نكون واضحين، يدعم التشريع بلا خجل أهداف السياسة المحافظة. لكنه يفعل ذلك مع حماية البرامج المفضلة لـ«الديمقراطيين». وقد يكون هذا هو الجزء الأكثر أهمية، وهو يفعل ذلك في وقت ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة. أي في وقت يتطلب القليل من التقشف المالي. 
وتستطيع السياسة الجيدة تقديم أهداف متعددة في وقت واحد. وصوَّت معظم الجمهوريين ومعظم الديمقراطيين لصالح مشروع القانون لأنهم يستطيعون القول، بدقة، إنه لم يكن أفضل من التخلف عن السداد فحسب، بل كان تحسيناً للوضع الراهن. أما بالنسبة للأخبار السيئة، فيعود نجاح التشريع إلى حد كبير إلى حقيقة أنه تجنب بمهارة أي شيء مثير للجدل. فالإيرادات الضريبية الحالية لأميركا منخفضة بالمعايير التاريخية، حتى مع ارتفاع حصة كبار السن من الولايات المتحدة. وعدد السكان آخذ في الازدياد. وفي الوقت نفسه، ارتفعت كلفة الالتزام المفتوح لتلبية الاحتياجات الصحية لكبار السن لكل فرد. ومن خلال تجاهل الضرائب والضمان الاجتماعي وبرنامجي ميديكير وميديكآيد الطبيين، استطاع بايدن ومكارثي الحصول على «نعم» وتدشين بداية جيدة للحد من العجز. لكن لتحقيق الاستقرار في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو أمر يجب على الحكومة الاتحادية محاولة فعله، يتعين عليها تقليص النمو المقرر لهذه البرامج وزيادة الإيرادات. 
وقد اقترح مكارثي تشكيلَ لجنة في الكونجرس للنظر في تقليص هذه البرامج. لكن حتى مكارثي يعرف أنه ليس من الممكن تحقيق الخفض المطلوب في الإنفاق بهذه الطريقة. وعلى النقيض من ذلك، طرحت إدارة بايدن خطةً تحقق خفضاً في العجز بقيمة ثلاثة تريليونات دولار دون خفض إعانات الضمان الاجتماعي أو الرعاية الطبية. بل تزيد الصفقة الضرائب على الأغنياء، وتفرض بعض ضوابط الأسعار على العقاقير التي تستلزم وصفةً طبيةً، وهما أمران يكرههما الجمهوريون.
وليس من الصعب، نظرياً، فهم الشكل الذي ستبدو عليه صفقة كبيرة من الحزبين بشأن العجز عن السداد. وقد ألمح مكارثي إلى الرغبة في خفض الإنفاق على الالتزامات، لكنه متردد في مناقشة الأمر علناً. ويمكن تحقيق الخفض إذا كان لديه غطاء من الحزبين. ويمكنه الحصول على هذا الغطاء إذا أعطى البيت الأبيض بعض الأشياء التي يريدها. أو بالنظر إلى الأمر من الاتجاه الآخر، فإن الإشراف على حزمة تخفض العجز الكبير من شأنها أن تساعد بايدن على تحقيق هدف سياسته الاقتصادية المتمثل في السيطرة على التضخم. وستساعده جرعة كبيرة من الزيادات الضريبية في تحقيق هدف سياسته الاجتماعية المتمثل في الحد من عدم المساواة. لكن للحصول على الأصوات الجمهورية اللازمة، سيحتاج إلى منحهم شيئاً ما. فبعض الخفض في الإنفاق أخطر سياسياً من أن يُقْدِم عليه الجمهوريون بمفردهم.
وهذا الإطار الأساسي مفهوم إلى حد كبير. والأمر الصعب هو إتمام الصفقة في مناخ من الاستقطاب المتزايد وتراجع الثقة. وتظل هذه عقبات هائلة أمام أي نوع من صفقة الميزانية الأكبر. لكن الصورة المصغرة للمشاعر الطيبة التي ظهرت في أعقاب صفقة الحد من الدين بين الحزبين تقدم سبباً للتفاؤل. فلم يكن معروفاً في ذلك الوقت، حتى من الأشخاص في غرفة المفاوضات، أن صفقتهم ستلقى ترحيباً حاراً. ومن الواضح أن التوصل إلى صفقة أكبر سيكون صعباً. لكن الجهود الفاشلة في صفقة كبرى خلال رئاسة باراك أوباما لا يتعين أن تثير كثيراً من التشاؤم. فقد ظهرت هذه المحادثات في بيئة من معدلات الفائدة المنخفضة، والتضخم المنخفض والبطالة المرتفعة. فلم تكن هناك فائدة عملية تذكر لحزمة خفض العجز. وأصبح التقشف حالياً أكثرَ منطقيةً، مما يجعل جميعَ أنواع الصفقات الرابحة للجانبين ممكنة. لقد فاجأتنا واشنطن بالفعل. وربما يمكن أن يساعد الجدلُ حول العجز عن السداد في جعل السياسة الأميركية مثمرةً مرة أخرى.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»