من بين عمليات إعادة التقييم المختلفة التي تعرض لها رئيسُ مجلس النواب كيفن مكارثي، «الجمهوري» عن ولاية كاليفورنيا، عقب مفاوضاته الناجحة حول رفع سقف الدين، يمكن القول إن إعادة التقييم التي كان لها أكبر الآثار والتداعيات هي تلك التي صدرت عن الصحافي «ماثيو كونتينيتي»، الذي كتب في موقع «ذا واشنطن فري بيكن» أن «قوة مكارثي الخارقة هي رغبته في أن يكون رئيساً. فهو يحب وظيفته ويرغب فيها». 
وإذا كنتَ ممن لم يتابعوا المشهد السياسي الأميركي خلال العقود القليلة الماضية، فقد يبدو لك ذلك قولاً غريباً: إذ مَن مِن رؤساء مجلس النواب لا يرغب في وظيفته؟ غير أن جزءاً من الأمور التي نحت منحى خاطئاً بخصوص المؤسسات الأميركية مؤخراً هو إخفاق شخصيات مهمة في النظر إلى مناصبها كغاية في حد ذاتها. فالكونجرس، بشكل خاص، سقط تحت سطوة ما يصفها المحلل السياسي الأميركي «يوفال ليفن» من «معهد المشروع الأميركي» بعقلية «المنصة»، حيث يعامل أعضاءُ مجلس النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الطموحون مناصبَهم على أنها أماكن ليقفوا فيها ويُروا - كمتحدثين في القنوات التلفزيونية، وقادة حركات، ورؤساء مستقبليين - وليس كأدوار تُشغَل وفرص للخدمة. 
على الجانب «الجمهوري»، اتخذت هذه النزعة عدة أشكال، من توق «نيوت غينغريتش» إلى أن يكون «رجل تاريخ عظيماً»، إلى أعمال« تِد كروز» الاستعراضية الطموحة خلال سنوات باراك أوباما، إلى ظهور «فناني أداء» في عهد دونالد ترامب مثل مارغوري تايلور غرين. وعلاوة على ذلك، فإن أنصار المؤسساتية في الكونجرس، من عاقد الصفقات «جون بونر» إلى خبراء السياسات مثل «بول ريان»، كانوا في كثير من الأحيان سجناء بئيسي المظهر للمتحدثين في القنوات التلفزيونية، وعلامات المشاهير التجارية، والرؤساء المحتملين.
هذه الدينامية كان يبدو من المحتمل أن تسجن «مكارثي» أيضاً، ولكن هذا الأخير وجد طريقة مختلفة للتعامل معها: فقد دعا بعضاً من رماة القنابل إلى العملية التشريعية، محاولاً تحويلهم من باحثين عن منصة إلى مشرِّعين عبر إشراكهم في الحكم، وقد كوفئ حتى الآن بدعمٍ حاسمٍ من شخصيات مثل «توماس ماسي»، التحرري غريب الأطوار من ولاية كنتاكي. ومن الواضح أن جزءاً مما يجعل هذا الأمر ممكناً هو تحمس «مكارثي» لتقديم الدعم والنصح الحقيقيين والضرورين لمنصبه، وافتقاره لكل من الأنانية المفرطة ونفاد الصبر الجنغريشيَيْن (نسبة إلى جنغريتش). 
لكن «مكارثي» لا يعمل في فراغ، ذلك أن حقبة جو بايدن كانت جيّدة للمؤسسات والعمل المؤسساتي بشكل عام، لأن الرئيس نفسه يبدو أنه يفهم طبيعة منصبه ويقدّرها أكثر مما كان يفعل أوباما. ومثلما لاحظ زميلي كارلوس لوزادا في البودكاست الذي ننتجه، الأسبوع الماضي، فإن أوباما كان يتصف بنفاد صبر ملموس إزاء كل القيود المفروضة على أعماله، في كل من مجلس الشيوخ والبيت الأبيض. وقد كان ذلك يظهر باستمرار في استراتيجيته التفاوضية، إذ كان يميل إلى استخدام منصبه كمنصة للنقد، حيث كان يعطي الحزبَ «الجمهوري» دروساً حول الأشياء التي ينبغي له دعمها، فكان بذلك يستعدي «الجمهوريين» وينفّرهم من تسوية مقدماً. 
هذا في حين أنه من الواضح أن بايدن، الذي كان يحب منصبه بالفعل كعضو في مجلس الشيوخ، يشعر بالارتياح إزاء مفاوضات هادئة على أسس معقولة، وهو ما يُعد أساسياً لإبقاء الجانب الآخر مهتماً بصفقة. كما أنه مرتاح أيضاً لترك «آلة الدوران» (آلة تشكيل الرأي العام أو التلاعب به من خلال التواصل الاستراتيجي والرسائل) تعمل على الجانبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» في المجلس، بدلاً من فرض سرديته باستمرار على أي صفقة قد يعقدها «الجمهوريون». 
أما العنصر الحاسم الآخر في البيئة الصحية، فهو غياب ما جلبه كروز إلى مفاوضات رفع سقف الديْن في عهد أوباما: أي النهج الشرس والمتطرف الذي يحوّل المفاوضات إلى معركة وجودية. 
وبسبب توقعهم هذا النوع من التطرف من «الجمهوريين»، ظل بعض الليبراليين يحثّون بايدن على التشدد لفترة طويلة بعد أن أصبح واضحاً أن ما يريده مكارثي منسجم أكثر مع صفقات سقف الدين السابقة. لكن عقلانية مكارثي كانت مستدامة بسبب غياب سيناتور «جمهوري» بارز يلعب دور كروز.
لهذا، هناك فائدةٌ أكبر، في الوقت الراهن، في وضعٍ تشريعي طبيعي للجمهوريين الطموحين، وميلٌ أقل إلى عقلية المنصة، مقارنة مع ما كان سيكون عليه الأمر لو أن دور ترامب كزعيم للحزب الجمهوري كان مفتوحاً للتنافس. 
ومهما يحدث، فإنه ستمرُّ سنوات قبل أن يصبح هذا الدور متاحاً. وفي هذه الحالة، سيستطيع مكارثي أن يكون سعيداً في منصبه لفترة أطول بكثير مما كان يتوقعه أي شخص يشاهد صعوده المتعرج والصعب. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 
https://www.nytimes.com/2023/06/03/opinion/kevin-mccarthy-house-speaker.html