لعلها دون مغالاة أو تَزيد، واحدة من أهم الانتخابات الرئاسية الأميركية في الألفية الثالثة، ويعزى الأمر لأسباب متعددة، في مقدمها الأوضاع المجتمعية الأميركية الداخلية، والأحوال الاقتصادية، عطفاً على السياقات الدولية القطبية المتغيرة بشكل غير مسبوق.

هل انتخابات الرئيس الأميركي المقبلة أمر يختص بالأميركيين فقط؟ بالقطع الأمر أعم وأشمل، سيما أنها انتخابات تجيء في وقت فيه مجموعة من الأزمات الدولية، والتي لا تزال الولايات المتحدة الأميركية، تلعب فيها دوراً رئيساً ومتقدماً، لا سيما أزمة الحرب المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا، تلك التي يخاف البعض من أن تتدهور أوضاعها لتصل حد المواجهة العالمية النووية.

البداية من عند الأميركيين أنفسهم، وهل ستمر هذه الانتخابات بخير وسلام، ومن دون صراعات داخلية، بعضها برسم الأعراق، وأخرى بعناوين إيديولوجية وحزبية، ناهيك عن المخاوف من أن تكون التوجهات اليمينية لدى بعض المتشددين، طريقاً لنهاية الاتحاد الفيدرالي الذي عرفت به البلاد منذ نشأتها وصولاً لوقتنا الحاضر. تساءل البعض هل تراجع دور الاقتصاد في اختيار الرئيس الأميركي؟ التساؤل يذكرنا بالصيحة التي أطلقها بيل كلينتون المرشح «الديمقراطي» الشاب آنذاك عام 1992، في سباقه الرئاسي مع المخضرم جورج بوش الأب وقتها: «إنه الاقتصاد يا غبي».

حكماً سيكون للعامل الاقتصادي دور مهم ومتقدم، غير أنه من الواضح أن عوامل كثيرة إضافية ستلعب دوراً مهماً إنْ لم يكن حاسماً. سوف يذهب ملايين الأميركيين إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر 2024، وفي يقينهم أنها لحظة الثأر مما جرت به المقادير في انتخابات 2020، بمعنى أن هناك قرابة 70 مليوناً وأزيد يدعمون الرئيس السابق دونالد ترامب، يرون أنه تعرض لعسف وخسف شديدين. هل يعني ذلك أن إعادة انتخاب ترامب قدر مقدور في زمن منظور؟

بالقطع لا يزال هناك متسع من الوقت حتى يوم الاقتراع الرئاسي، يمكن أن تتغير فيه الأوضاع وتتبدل الطباع، خاصة في ظل ملفات قضائية عديدة تتراكم يوماً تلو الآخر في مواجهة الرئيس السابق. عطفاً على ذلك، هناك تشارع وتصارع واضحين على الفوز بترشيح الحزب «الجمهوري» من جانب عدد من المرشحين، لا سيما حاكم فلوريدا الشاب رون ديسانتيس، والذي ينظر إليه البعض بوصفه جون كيندي الجديد، بالإضافة إلى دخول مايك بنس، نائب ترامب السابق، حلقة السباق، وأسماء أخرى ربما تشارك من قبيل الدعاية لا الجدية.

لم يحسم «الجمهوريون» أمرهم بعد، وإنْ كان الرئيس السابق ترامب متقدماً بجدارة في استطلاعات الرأي عن بقية المرشحين، ما يعزز فرص حصوله على ترشيح الحزب «الجمهوري»، والذي بات قادته يدركون الوزن النسبي لترامب. على الجانب «الديمقراطي» تبدو الأزمة أعمق، خاصة في ظل الظروف الصحية المتردية التي يعيشها الرئيس بايدن، والتي تبدت للجميع مؤخراً، مع أنه يحسب له نجاحه في التوصل إلى حل لأزمة سقف الدين الأميركي، والتي كانت تهدد مستقبل البلاد والعباد.

هنا فإن الناظر لقائمة المنافسين «الديمقراطيين» قد لا يجد أسماء لامعة سوى روبرت كيندي جونيور، ابن أخ الرئيس المغدور جون كيندي، ورغم حيثياته الشخصية المتميزة، لكنه ليس سراً القول إن «الديمقراطيين» في حاجة إلى قيادة حزبية شابة تحفز روح التحدي، وتفتح مسارات المستقبل أمام الأجيال الأميركية الشابة. هل ستكون انتخابات الرئاسة 2024 القادمة محطة حاسمة في تاريخ الأمة الأميركية الاستثنائية؟ غالب الظن إن ذلك كذلك، وغداً لناظره قريب.

*كاتب مصري