العلمانية تيار غربي، أرادت به أوروبا، منذ زمن بعيد، التخلص من سلطة الحاكم بأمر الله القابع آنذاك في الكنيسة، ولكنه المتحكم في رقاب العباد والبلاد باسم «الرب». نجحت أوروبا ومن خلفها أميركا نوعاً ما، في البدايات لتحجيم دور الكنيسة والدين في المجتمع، خاصة التدخل في شؤون الحكم. 
ومع مرور السنوات، لم تستطع العلمانية أن تلتزم الحياد الإيجابي ليس أمام الأديان فحسب، بل حتى العادات والتقاليد والأعراف الموروثة منذ القدم. 
اليوم بعد أن دخلت معظم دول العالم في حرب «عالمية» ضد التطرف الديني، سمحت- أو تركت- للتطرف العلماني الوصول إلى أروقة الحكم لكي تمارس هذه الدول تطرفها تحت مظلة الديمقراطية. هنا بدل أن تصبح العلمانية حلاً لمشكلات التطرف الديني من أي قناة خرجت، صارت هي المشكلة التي لا حل لها، فغرقت هي في محيط تُغرق العالم من ورائها إذا ترك حبلها على الغارب. 
إذا كانت العلمانية في واقعها اليوم متصالحة مع بعض الأديان دون الأخرى، فأصبح وجهها الكالح مكشوفاً. العلمانية المزعومة في فرنسا ضاقت بالحجاب ولا تقبل ذلك من باب حرية الأديان، المادة الدستورية التي شوهتها العلمانية على أرض الواقع.
خرجت العلمانية عن سكتها ودخلت دهاليز سوف تودي بها على المدى المتوسط، إذا لم يستدرك عقلاءها عوامل تطرفها المضاد. 
لم يعد للخطاب العلماني وزن ولا ثقل الماضي، فقد لوثته أهواء أفراد لا يملكون كشف الضر عنه ولا تأويله. 
بعض النخب في العالم العربي مُصر على أن التخلص من التطرف يعبر عن طريق العلمانية، رغم أن هذه الأخيرة فشلت اليوم في أداء هذا الدور الحضاري لوقوعها هي في «المطب» ذاته، فلا يمكن أن تكون هي الحل الأمثل.

كيف للعلمانية أن تنجح في عالم عربي وإسلامي مسكون بالدين فطرة لا فرضاً من سلطة حاكمة كما كان الوضع في ظلمات القرون الوسطى بأوروبا؟!
فمن سار على ذلك النهج بقي مقلداً لمشية الغراب ولكنه منقض على شعبه كما ينقض «العُقاب» على فريسته من علِ.
يمكن سلخ جلد الإنسان عن عظمه ولكن يستحيل سلخ الإنسان عن عظمة فطرته، لذا كل محاولات التطرف العلماني فاشلة، وتداري فشلها عبر إصدار تشريعات تعسفية تريد بها إطفاء نور الفطرة في قلوب البشر من أي دين كان. 

المولى جل في علاه، قال، في محكم آياته: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ». (الروم - 30)
لم تستطع العلمانية الحفاظ على عهدها ولا مواثيقها التي ضاقت عليها، فلما أرادت توسعتها تطرفت فخنقت نفسها بيديها، فهذا وضعها الآن في مكان نشأتها.
*كاتب إماراتي