من الصعب عدم الاستياء من تصريح رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بأن بريطانيا يجب أن «تقود الطريق» في تنظيم الذكاء الاصطناعي. فبعد كل شيء، سيؤثر الذكاء الاصطناعي على العالم بطرق مختلفة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يبث الثقة في صنع السياسة البريطانية. لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو السبب جزئياً في قدرة المملكة المتحدة على أداء دور المراقبة هذا بنجاح. ويتحرك الذكاء الاصطناعي بسرعة، ويهدد بالتسبب في مزيد من التحيز وعدم المساواة في المجتمع، والحكومات بحاجة إلى أفكار للإرشادات.

ولا تمتلك بريطانيا الخبرة والبنية التحتية لوضع قواعد حول الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يمكنها التحرك بسرعة، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى التخلص من قيود أطر عمل والتزامات الاتحاد الأوروبي. وعلى النقيض من ذلك، سيمر عامان آخران قبل تنفيذ قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي، على الرغم من أن البرلمان الأوروبي أيده بالإجماع تقريباً في الأيام القليلة الماضية.

وصحيح أن أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي يحرصون على إنشاء جهة تنظيمية مستقلة للذكاء الاصطناعي، لكن الضغط الشديد في وادي السيليكون يجعل ذلك غير مرجح. وعلى كل حال، لم يقر الكونجرس بعد قانوناً اتحادياً لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبيرة. وتقدم بريطانيا أرضية وسطية معتدلة بين المناهج المرهقة لأوروبا والولايات المتحدة الأكثر حرية التي يأتي منها معظم ابتكارات الذكاء الاصطناعي. وتحركت المملكة المتحدة بسرعة في حوكمة التكنولوجيا من قبل.

فقد كانت قواعدها لحماية البيانات الخاصة بالأطفال من بين أولى القواعد في العالم التي نسختها كاليفورنيا، وسيتم طرح قانونها للأمان عبر الإنترنت قبل مجموعة مماثلة من القواعد من الاتحاد الأوروبي، وواصلت هيئتها لمراقبة مكافحة الاحتكار سلسلة من القضايا رفيعة المستوى ضد منصات جوجل التابعة لشركة ألفابت وأبل وميتا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وعمل البريطانيون على ترقية أجهزتهم الحكومية، مما يسمح لهم بمعالجة الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر فعالية. وعلى سبيل المثال، دمجت المملكة المتحدة في الآونة الأخيرة كبريات الجهات التنظيمية في هيئة واحدة لتنسيق القرارات وهو ما سيكون حيويا لتقنية تؤثر على كل صناعة تقريبا.

بالإضافة إلى قطاع القانون التجاري الهائل والسمعة التي امتدت لقرون في سيادة القانون، تستضيف المملكة المتحدة أيضاً واحدة من أكبر شركات الذكاء الاصطناعي في العالم وهي شركة «ديبمايند» التابعة لجوجل، وتتبنى ثقافة يتواصل فيها التقنيون مع الحكومة كمستشارين. ويرى «ساول كلاين»، المؤسس المشارك لشركة «رأس المال الاستثماري في لندن لوكال جلوب» أن «هناك أمراً إيجابياً واحداً فقط لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو أن المملكة المتحدة الآن في وضع يمكنها من أن تكون رائدة عالمياً في حوكمة الذكاء الاصطناعي».

وفي فبراير 2023، جمعت المملكة المتحدة إداراتها الحكومية التي تغطي قطاعات الأعمال والقطاعات الرقمية في قسم واحد يسمى قسم العلوم والابتكار والتكنولوجيا. ويعتقد «كلاين» الذي يشغل منصب مدير غير تنفيذي في القسم الجديد، أنه في نظر الحكومة، هذا رفع التكنولوجيا إلى مستوى مماثل من الأهمية للاقتصاد والأمن القومي. وجمعت المملكة المتحدة أيضاً كبار المنظمين الذين يتعاملون مع قضايا مثل مكافحة الاحتكار وخصوصية البيانات والأضرار عبر الإنترنت تحت مظلة واحدة، في منتدى التعاون التنظيمي الرقمي.

وسيؤدي ذلك إلى تسهيل وضع القواعد وإنفاذها على الذكاء الاصطناعي مرة واحدة. وترى «راشيل كولديكوت»، المتخصصة في تنظيم التكنولوجيا والمديرة التنفيذية لمؤسسة بروميزينج ترابل الاجتماعية التي تبني وتدعم بدائل التكنولوجيا الكبرى، أنه لا مسوغ لإقامة جهات تنظيمية جديدة في ظل وجود جهات رقابية نصبت نفسها لمعالجة العراقيل التكنولوجيا.

فكيف تستطيع بريطانيا تنظيم الذكاء الاصطناعي؟ تستقي قواعدها بشأن الضرر عبر الإنترنت مبادئ من قانون الصحة والسلامة، مما يمنح الشركات «واجب رعاية» قانونياً للحفاظ على بيئة آمنة. ومن المحتمل أن تسلك بريطانيا مساراً مشابهاً مع الذكاء الاصطناعي، وفقاً لخبراء تنظيميين، باعتماد نهج قائم على المخاطر في التنظيم. ويتبنى ديميس هاسابيس، المؤسس المشارك في ديبمايند وهو مستشار حكومي، وجهات نظر مماثلة. فقد دعا في الآونة الأخيرة إلى «المبدأ الوقائي» عند تنظيم الذكاء الاصطناعي.

وهذا يعني في الأساس اتخاذ الاحتياطات في حالة عدم التأكد من المخاطر. وأعلن «سوناك» في الآونة الأخيرة عن قمة سلامة عالمية للذكاء الاصطناعي تعقد هذا الخريف لإطلاق الطموحات التنظيمية للبلاد، لكنه أهمل إشراك أشخاص من المجتمع المدني. وستجمع القمة بين الدول والباحثين و«شركات التكنولوجيا الرائدة» مثل ديبمايند ومايكروسوفت.

ومشكلات الذكاء الاصطناعي الحالية خطيرة وواسعة الانتشار. فهي تؤثر على النساء والملونين والأقليات الأخرى في كثير من الأحيان، من الخوارزميات التي تتحقق من طلبات طالبي اللجوء إلى تلك التي ترشح إعلانات الوظائف. ويجب دعوة المنظمات البريطانية مثل معهد «آدا لافليس» و«ديموس» و«كونكتد باي داتا» و«بروميزينج ترابل» التي تحقق في مثل هذه المثالب، لمناقشة أمان الذكاء الاصطناعي مع أسماء الشركات الكبرى أيضاً.

وقال «كولديكوت»- من بروميزينج ترابل- «نعلم من العشرين عاماً الماضية أن مطالبة شركات التكنولوجيا بتنظيم نفسها لم تنجح، وفكرة أنهم خبراء في مجال السلامة هي فكرة مضحكة». وتمتلك بريطانيا بالفعل البنية التحتية والسمعة اللازمة للتحرك بشكل حاسم في حوكمة الذكاء الاصطناعي. لكن يجب على «سوناك» أن يتأكد من أن سياساته تأخذ في الاعتبار المشكلات التي تحدث على الأرض. ويجب أن ينصت إلى الخبراء في هذه القضايا أيضاً.

*صحفية أميركية تغطي شؤون التكنولوجيا.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»