عندما بدأ عمال البناء في تحويل بوابة «أولاف في إس» في أوسلو إلى متنزه للمشاة، أبدى سكان المنطقة امتعاضهم.

كان ذلك في سبتمبر 2019، كان السكان يستخفون لاحتمال تحول المنطقة المزدحمة بسيارات الأجرة إلى موقع بناء أكثر صخباً وتلويثاً للبيئة، لكن الرافضين للمشروع فوجئوا، فكل الآلات المستخدمة في المشروع، كانت تدار إما ببطاريات أو من شبكة الكهرباء مباشرة.

وهذا يعني أن الموقع خلا إلى حد كبير من ضجيج المحركات والانبعاثات المباشرة لإثبات أن بالإمكان استخدام آلات تدار بالكهرباء في عمليات التشييد. فصناعة التشييد في كل مراحلها مسؤولة عن نحو 23 بالمئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. تلك الانبعاثات قد تتضخم بسبب حجم السكان في العالم.

فمن المتوقع، حسب تقديرات الأمم المتحدة، أن يعيش حوالي 2.5 مليار نسمة آخرين في مدن بحلول عام 2050. ويجري بناء مناطق حضرية في مساحة سنغافورة كل شهر لاستيعابهم. وهي تحتاج إلى إعادة تشكيل جذرية لطريقة البناء وإلى قرارات صعبة بخصوص ما إذا كان سيتم البناء بالأساس. وهناك ضرورة لأن تصبح تحف مثل مشروع بوابة «أولاف في إس» قاعدة يحتذى بها لعمليات التشييد في المستقبل. ترى إيرين دومينجيز، وهي محللة للسياسات في جماعة غير هادفة للربح تسعى لمكافحة الاحترار العالمي مقرها أوسلو «إننا على شفا طفرة في البناء في العالم. لذلك نحتاج إلى حلول قليلة الانبعاثات لكنها أيضاً كبيرة الحجم».

وطبقاً لوكالة البيئة النرويجية، فإن حوالي 12 بالمئة من الانبعاثات في أوسلو مصدرها آلات تعمل في مواقع البناء أساساً. وبدأ العمل لتقليص ذلك الرقم في عام 2017 عندما اشترطت الحكومة المحلية في جميع عقود البناء البلدية عدم الاعتماد على الوقود الأحفوري. وحققت قفزة في عام 2019، عندما بدأ المسؤولون إعطاء الأولوية للمقاولين الذين يستخدمون معدات لا تصدر منها انبعاثات. وكان مشروع «أولاف في اس» الريادي قادراً على توفير 35 ألف لتر من السولار وما يعادل 92500 كيلوجرام من أكسيد الكربون.

والأمر المهم بالنسبة لفيليب مورتنسن، وهو مستشار كبير في وكالة المناخ في أوسلو، هو أن مواقع التشييد الخضراء تحفز سوق معدات البناء الكهربائية. وتملك الحكومة المحلية نحو 20 بالمئة من سوق التشييد في أوسلو، الأمر الذي يعد حافزاً كبيراً، فالتشييد من بين عدد قليل من الصناعات الرئيسية المقاومة بالضرورة للانتقال إلى مشروعات خضراء مثلها مثل الشحن البحري والطيران، وإن كان طريقه لتحقيق هذا الانتقال نحو الاستدامة أقصر.

وقدرت وكالة المناخ في مدينة أوسلو أن 55 بالمئة من أعمال التشييد في أوسلو في العام الماضي كانت تدار بالكهرباء في حين استخدمت 43 بالمئة منها الوقود الحيوي، وهذا يعادل تجنب حوالي 10 آلاف طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. لكن هذا التخفيض لا يمثل سوى واحد بالمئة فقط من إجمالي الانبعاثات في أوسلو. لقد حققت كهربة المعدات خطوات كبيرة فيما كان يعتقد أنها معدات متعطشة للطاقة، خصوصاً السولار. لكن مثل هذه الآلات التي تدار بالكهرباء أكثر تكلفة. كذلك من الصعب العثور على حفارات ومعدات أخرى أكبر تدار بالكهرباء.

رغم أن عدداً قليلاً من الشركات المصنعة للآلات بدأت بالفعل خطوط إنتاج للمعدات الكهربائية الأكبر لكنها لم تنتجها على نطاق تجاري كبير بعد. وهناك تحدٍ آخر يتمثل في توافر إمدادات كهرباء كافية، لا سيما في مواقع البناء البعيدة. وقد يكون من الصعب أيضاً توصيل الكهرباء عندما يكون الموقع في حالة انتقال مستمر مثلما هو الحال مع مد الطرق. وترى فيرونيكا سوند، وهي أخصائية لدى حكومة أوسلو أن التشييد الخالي من الانبعاثات «كله يعتمد على نوع مواقع البناء».

وأوضح براندون إنجي، المؤسس المشارك لشركة أمبد إينرجي، ومقرها لندن، أن شركته تقوم بتصنيع بطاريات لتخزين الكهرباء تعتمد على الليثيوم يمكن استخدامها في تشغيل مواقع التشييد، والتي تقلص الانبعاثات بنسب تتراوح بين 75 و90 بالمئة عن المولدات التقليدية التي تدار بالسولار التي كانت تستخدم في أكثر من 140 موقعاً للبناء في هونج كونج وسنغافورة وأستراليا. وأصبحت هذه البطاريات منتشرة في أوروبا، حيث تقوم بتشغيل ثلاث رافعات في مشروع في غرب لندن تبلغ تكلفته 1.23 مليار دولار.

وتبحث شركات البناء الأخرى حلولاً مماثلة. لكن الجزء الأعظم من الانبعاثات لا يزال يأتي من صناعة التشييد العالمية، ومن تصنيع مواد البناء ونقلها. فأكثر من 70 بالمئة من سكان العالم يعيشون في منازل مصنوعة من الخرسانة المعززة، وهي كثيفة استخدام الكربون. وإنتاج الخرسانة المسلحة مسؤول عن ثمانية بالمئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، بينما صناعة الحديد والصلب مسؤولة عن خمسة بالمئة.

وترى دومينجير أن التشييد الخالي من انبعاثات الكربون يتطلب أيضاً عدم اعتماد إنتاج خامات البناء على الكربون». يرى مجالي أندرسون كبير مسؤولي الاستدامة والابتكار في شركة «هولسيم» السويسرية المنتجة للأسمنت أن السبيل الوحيد لأن يصبح تصنيع مواد البناء الخالي من الكربون شائعاً إنما يكون من خلال تقديم حوافز.

وأصدرت مدينة أوسلو مؤخراً تعاقداً كبيراً لتزويدها بأسفلت يعتمد في جزء كبير منه على الانبعاثات المتضمنة في المنتج النهائي. ويشير «أندريه أسورد»، وهو مستشار كبير في صناعة التشييد النظيفة، في تحالف «سي 40 سيتيز»، وهو شبكة عالمية من رؤساء المدن الذين يتصدون لأزمة المناخ، إلى أن المدن ينبغي عليها أيضاً أن تعالج الانبعاثات المتضمنة من زاوية مختلفة.

فإلى جانب محاولة إعادة تشكيل الخرسانة عليها أن تستكشف أيضاً فرصاً لتقليل الاعتماد عليها، واستخدام مواد البناء البديلة. ويرى أسرود أن «التحدي هائل لذا يتعين البحث في جميع الحلول الممكنة». ويعني التشييد المستدام أيضاً إعادة التدوير. من خلال تفكيك المباني بدلاً من هدمها لاستخدام مكوناتها مرة أخرى.

وليام رالستون*

*صحفي يغطي شؤون البيئة والتغير المناخي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»