حين تحدث «سام ألتمان»، الرئيس المشارك لشركة «أوبن أيه.أي» أمام مجلس الشيوخ الأميركي في مايو الماضي، اعترف بأنه لم يكن يريد حقاً أن يستخدم الناس «تشات جي.بي.تي». وقال: «يروقني أن نستخدمها أقل»، لأن «ليس لدينا ما يكفي من وحدات معالجة الرسومات».

ويؤكد اعتراف «ألتمان» على وجود آلية مقلقة في التطور المتنامي لنشاط الذكاء الاصطناعي التوليدي. فقد أصبحت قوة شركات التكنولوجيا الحالية أكثر رسوخاً بفضل قيمة بنيتها التحتية وحجمها. وبدلاً من إنشاء سوق مزدهرة للشركات الجديدة المبتكرة، يبدو أن الطفرة تساعد شركات التقنية الكبرى على تعزيز قوتها.

ووحدات معالجة الرسومات عبارة عن شرائح خاصة تم تصميمها في الأصل لتقديم الرسومات في ألعاب الفيديو، وأصبحت منذئذ أساسية لسباق تسلح الذكاء الاصطناعي. فهي باهظة الثمن ونادرة وتأتي في الغالب من شركة إنفيديا التي تجاوزت قيمتها السوقية تريليون دولار الشهر الماضي بسبب ارتفاع الطلب.

ولبناء نماذج الذكاء الاصطناعي، يشتري المطورون عادة الوصول إلى الخوادم السحابية من شركات مثل مايكروسوفت وأمازون. وتعمل وحدات معالجة الرسومات على تشغيل هذه الخوادم. واليوم، وعلى مدار العام المقبل على الأقل أو نحو ذلك، ستذهب معظم أرباح بيع خدمات الذكاء الاصطناعي إلى شركات مثل مايكروسوفت وإنفيديا وأمازون، وهي الشركات المسيطرة بالفعل على مجال التكنولوجيا منذ سنوات.

وجزء من السبب هو أنه بينما ترتفع كلفة الخدمات السحابية والرقائق، فإن سعر الوصول إلى نماذج الذكاء الاصطناعي ينخفض. وفي سبتمبر 2022، خفضت شركة «أوبن أيه.أي» كلفة الوصول إلى «جي.بي.تي-3» بمقدار الثلث. وبعد ستة أشهر، جعلت الوصول أرخص 10 مرات.

وفي يونيو، خفضت شركة «أوبن أيه.أي» رسوم نموذجها الذي يحول الكلمات إلى أرقام لمساعدة النماذج اللغوية الكبيرة على معالجة السياق، بنسبة 75 بالمئة. وقال «سام ألتمان» إن كلفة المعلومات «في طريقها لأن تبلع نحو صفر». ويرتفع سعر بناء نماذج الذكاء الاصطناعي لأن شراء وحدة معالجة الرسومات عليه إقبال شديد.

ورقائق «إنفيديا أيه100» و«إتش100» هي المعيار الذهبي لحسابات التعلم الآلي، لكن سعر رقائق «إتش100» ارتفع إلى 40 ألف دولار أو أكثر من أقل من 35 ألف دولار قبل بضعة أشهر فقط، ويعني النقص العالمي أن «إنفيديا» لا تستطيع صنع الرقائق بالسرعة الكافية. ووجد كثير من الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي نفسها تنتظر في طابور خلف عملاء أكبر مثل مايكروسوفت وأوراكل لشراء هذه المعالجات الدقيقة المطلوبة بشدة.

وأخبرني أحد مؤسسي الشركات الناشئة في وادي السيليكون لديه علاقات بإنفيديا أن حتى «أوبن أيه.أي» تنتظر رقائق «إتش100»، التي لن تتسلمها حتى ربيع عام 2024. وقالت متحدثة باسم «أوبن أيه.أي» إن الشركة لا تنشر هذه المعلومات، لكن «ألتمان» نفسه اشتكى من معاناته للحصول على الرقائق. وتتمتع شركات التكنولوجيا الكبرى بميزة كبيرة على الشركات الناشئة مثل «أوبن أيه.أي»، وذلك بفضل الوصول المباشر إلى وحدات معالجة الرسومات شديدة الأهمية بالإضافة إلى قواعد العملاء المتينة. وحين باع «ألتمان» 49 بالمئة من أسهم «أوبن أيه.أي» مقابل استثمار مايكروسوفت مقابل مليار دولار في عام 2022، بدا هذا وكأنه تخل عن قدر كبير من حقوق الملكية.

لكن يتعين على المرء أن يعلم أن الاتصال بمورد سحابي رئيسي قد يكون الطريقة الأكثر أماناً لشركات الذكاء الاصطناعي للبقاء في العمل. وأخبرت «آمي هود»، المديرة المالية لمايكروسوفت، المستثمرين في يونيو أن الخدمات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي التي تبيعها، بما في ذلك تلك التي تدعمها شركة «أوبن أيه.أي» ستساهم بما لا يقل عن عشرة مليارات دولار في إيراداتها. وأطلقت عليها اسم «أسرع الأعمال التجارية نموا بقيمة عشرة مليارات دولار في تاريخنا».

ومنتج مايكروسوفت هذا، المسمى أزور «أوبن أيه.اي»، أعلى سعراً من الطرح الخاص لأسهم «أوبن أيه.أي»، لكنه يسمح لشركات مثل «نوتا» و«كارماكس» بالوصول «إلى جي.بي.تي-4» بطريقة أكثر ملاءمة للمؤسسات. ويواجه مبتكرو نماذج الذكاء الاصطناعي في الوقت نفسه انتقالاً مستمراً للمواهب بين شركاتهم، مما يجعل من الصعب الحفاظ على السرية وتمايز المنتجات. وبمجرد أن ينفقوا الأموال على الاعتمادات السحابية لتدريب نماذجهم، يتعين عليهم أيضاً تشغيل هذه النماذج لعملائهم. وقدرت خدمات «أمازون ويب» أن هذه العملية تمثل نحو 90 بالمئة من إجمالي الكلفة التشغيلية لنماذج الذكاء الاصطناعي.

ومعظم هذه الأموال تذهب إلى مقدمي الخدمات السحابية. وهذا يمهد الطريق لنظام ذي مستويين لأعمال الذكاء الاصطناعي. والذين في القمة لديهم المال والعلاقات المرموقة. وتمكنت قلة محظوظة من التواصل مع مستثمر رأس المال الاستثماري «نات فريدمان»، الذي أنفق في الآونة الأخيرة نحو 80 مليون دولار على مجموعته الخاصة من وحدات معالجة الرسومات لإنشاء خدمة سحابية تسمى «أندرو ميدا كلوستر».

وستشكل شركات الذكاء الاصطناعي في المستوى الثاني طابوراً طويلاً ليس لديه هذه الأنواع من الاتصالات والموارد لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، بغض النظر عن مدى ذكاء خوارزمياتهم. وبصيص الأمل بالنسبة للشركات الأصغر، هو أن شركات التكنولوجيا الكبيرة ستجد يوماً ما أن منتجاتها وخدماتها أصبحت سلعة أيضاً، مما يجبرها على تخفيف قبضتها الخانقة على السوق لبناء الذكاء الاصطناعي.

وسيتقلص النقص في الرقائق في النهاية، مما يجعل الوصول إلى وحدات معالجة الرسومات أسهل وأرخص. وستشتد المنافسة أيضاً بين مزودي الخدمات السحابية أنفسهم أثناء تنافسهم. فعلى سبيل المثال، تطور «جوجل» نسختها الخاصة من وحدات معالجة الرسومات وتبني «إنفيديا» أعمالها السحابية لتنافس بها مايكروسوفت. ومع تطوير الباحثين لتقنيات لجعل عملية بناء نماذج الذكاء الاصطناعي أكثر كفاءة، سيحتاجون إلى بيانات وقوة حاسوبية أقل.

ونماذج الذكاء الاصطناعي في طريقها الآن لتصبح أصغر حجماً. وسيتطلب ذلك عدداً أقل من وحدات معالجة الرسومات والبنية التحتية، وهذا يعني أن قبضة شركات التكنولوجيا الكبيرة لن تدوم إلى الأبد.

*كاتبة تغطي شؤون التكنولوجيا ومراسلة سابقة لـ«وول ستريت جورنال» و«فوربس».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»