فشلت القوات المسلحة الأميركية في تحقيق أهدافها في التجنيد، لأن الجيش تحديدا يعاني من أسوأ نقص منذ خمسة عقود. وهناك أسباب كثيرة وراء ذلك، لكن هناك سبباً مدهشاً حقاً يتمثل في المحاربين القدامى أنفسهم.

وتشير التقارير الحديثة والأدلة إلى أن احتمالية تسجيل الشباب في الخدمة العسكرية، أو حث عائلاتهم لهم على ذلك، في أدنى المستويات. وبالنظر إلى أن 80 بالمئة من المجندين الجدد لدى كل منهم أحد الأقارب خدم في الجيش، فلا يمكن التقليل من حجم الأزمة. فحين تخرجت من المدرسة العليا في عام 1972، كان التجنيد الإجباري قد انتهى للتو وكانت أميركا تشرع في تجربة رائعة تتمثل في قوات من المتطوعين بالكامل.

وكشخص نشأ في الجيش لأن والدي كان ضابطا في مشاة البحرية، وتقاعد عقيدا في عام 1970 بعد قتال متميز في كوريا وفيتنام، كان اتباع مهنة العائلة من المسلمات. لكن حين دخلت الأكاديمية البحرية في أحد أيام الصيف الحارة قبل نصف قرن، لم يكن من الواضح تماما احتمالات نجاح قوة المتطوعين. وبعد فترة وعرة بعد القرعة، تم تجديد الجيش في عهد الرئيس رونالد ريجان في أوائل الثمانينيات، ليصبح القوة الناجحة بشدة التي خاضت معارك الأمة من بنما إلى الخليج العربي. لكنّ أسس هذا الجيش المكون من المتطوعين بالكامل تبدو أكثر اهتزازا مما كانت عليه منذ عقود. فماذا بوسع البنتاجون فعله حيال ذلك؟ الخطوة الأولى هي فهم سبب تراجع التوظيف.

وربما يكون العامل الأكبر هو سوق العمل المدني القوي جدا اليوم. والمقارنة صعبة. فإذا كان شخص ما يربح أجرا مبدئيا يزيد على 20 دولارا في الساعة، ربما مع تأمين صحي جيد وخطة تأمين تقاعد جيدة، فمن الصعب جدا إقناعه بحلق رأسه، والذهاب إلى معسكر تدريب حار ورطب في باريس أيلاند بولاية نورث كارولاينا، والالتزام بأداء بدني صارم، والاستيقاظ قبل الفجر كل يوم، والاستعداد للعمل بعيدا لفترة طويلة عن أصدقائه وعائلته، غالبا في ظروف محفوفة بالمخاطر.

وهناك عامل آخر تمثل في انسحاب الولايات المتحدة من حروب نشطة واسعة النطاق. فلطالما انجذب بعض الشباب إلى ما يرون أنه اختبار الحياة الهائل للقتال، فضلا عن مغامرة الذهاب إلى بقاع نائية. والصور المحبطة للانسحاب الفوضوي من أفغانستان في عام 2021 حطمت تلك الصورة عند كثيرين. كما أن عوائق الالتحاق بالجيش مرتفعة.

فهناك 25 بالمئة فقط من شباب البلاد يمكنهم الوفاء بالمعايير مثل الحصول على شهادة المدرسة العليا أو ما يعادلها، ودرجات اختبار معيارية عالية بشكل معقول ولياقة بدنية وخلو الصحيفة الجنائية من استخدام المخدرات أو الاعتقال بالإضافة إلى السلامة العقلية. ويتنافس البنتاجون مع الجامعات والقطاع الخاص على شريحة صغيرة من خريجي المدارس العليا كل عام. ولم يساعد ذلك في عدم تمكن المجندين من الذهاب إلى الحرم الجامعي لمدة عامين خلال جائحة كوفيد.

ووسائل الإعلام اليمينية تلعب دورا سلبيا في النيل من أداء القوات المسلحة وأنشطتها. ووصف عدد من المنتقدين اليساريين المهام في العراق وأفغانستان بأنها كانت مغامرات استعمارية. ولا دقة في أي من هاتين الروايتين، لكنْ لهما تأثير محبط على التجنيد. وأخيرا، يؤدي الشعور المتزايد بالانقسام السياسي في جميع أنحاء البلاد إلى تضاؤل إيمان الشاب بأميركا. وقد يكون هذا هو العامل الأكثر إزعاجا للجميع، وهو العامل الذي يهزم في النهاية قوة المتطوعين بالكامل.

وتراجع عموما وبشدة الاحترام للجيش الذي ما زال على رأس قائمة مؤسسات الدولة. فأقل من نصف الأميركيين الآن يقولون إنهم «يثقون» بالقوات المسلحة، بانخفاض عن 70 بالمئة قبل خمس سنوات فقط. ويحتاج البنتاجون إلى تغيير هذه الميول وإلا سيكون هناك خطر جسيم على الأمن القومي في عصر المنافسة بين القوى العظمى. ولحسن الحظ، يعد التخطيط للحملات المعقدة وتنفيذها أمرا بارعا في وزارة الدفاع. فكما تعلم أي شركة جيدة متى تحتاج إلى التركيز على التسويق والإعلان في مواجهة انخفاض حصتها في السوق، يتعين على الجيش إرسال أفراده الأكثر ذكاء وتمتعا بالجاذبية لقيادة جهود التجنيد وتوفير موارد إضافية لجذب العملاء المحتملين (وربما يساعد الذكاء الاصطناعي في هذا)، وإعادة تصميم حملات التسويق لمناشدة الجماعات الواعدة وغير المستغلة بشكل مباشر وتعيين جنرالات وأدميرالات ملهمين كبار لقيادة أوامر التجنيد في الخدمات وتقديم حوافز للنجاح مثل إعطاء المجندين الأكثر نجاحا اختيار مهامهم التالية.

وبالنسبة لانتقادات نوعية الحياة: يجب أن تكون الثكنات نظيفة وجيدة الإدارة، وأن يكون الطعام جيدا والعلاج الطبي من الدرجة الأولى، وحزم الأجور والمزايا يجب أن تكون أعلى من مجرد مواكبة التضخم. ولحسن الحظ، وافق الكونجرس للتو على زيادة خمسة بالمئة في الأجور، وهي الأكبر منذ عقدين. وبوسع البنتاجون أيضاً توسيع قاعدة التجنيد بطرق مبتكرة.

وخلال مسيرتي المهنية، كان كثيرون من أفضل البحارة الذين قابلتهم من الفلبين الذين اقتنعوا بالانضمام إلى البحرية كطريق للحصول على الجنسية. وكانت هناك أسباب تاريخية قوية لهذا البرنامج، بما في ذلك العلاقة الاستعمارية قبل الحرب العالمية الثانية. وحان الوقت للتفكير في برنامج أوسع على هذا المنوال، وربما يتعين التطلع إلى أميركا الوسطى والجنوبية. وقبل كل شيء، نحن كأمة نحتاج إلى بذل مزيد من الجهد لجلب القلوب إلى فكرة الخدمة العسكرية.

والتعهد باحترام الدستور يرتفع فوق الحقد والانقسامات المريرة في البلاد، وهو أمر يعرفه قدامى المحاربين الأميركيين، ولكن يبدو أنهم أقل رغبة أو قدرة على غرسه في أطفالهم. وبعد أيام من ذكرى يوم الاستقلال، يتعين علينا شكر جنودنا دوماً وبإخلاص على تضحياتهم. فأمن أميركا في عالم خطير يعتمد عليهم.

*أدميرال سابق في البحرية الأميركية، القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»