كشفت جائحة «كوفيد-19» الغطاء عن قدرات دول العالم على التصدِّي للأزمات والكوارث، والتعامل معها. وبرغم إعلان منظمة الصحة العالمية، في مايو الماضي، انتهاء الجائحة، وبَدْء عمليات التعافي، وتفاؤل مختلف الدول بذلك، فإننا لا نستطيع القول بزوالها تماماً، أو إن ذلك الوباء سيكون الأخير، ولكن ما يمكننا الرهان عليه هو أن دولة الإمارات العربية المتحدة -بصفتها إحدى الدول الرائدة في التعامل مع الجائحة- ستكون أكثر استعداداً لمواجهة أي أزمة صحية مقبلة.
وقد استجابت دولة الإمارات بشكل فعَّال وحازم لجائحة «كوفيد-19»، إذ اتَّخذت إجراءات باكرة وشاملة للتصدي لها، وحماية المجتمع الإماراتي. وتعكس استجابة الدولة الناجحة للجائحة نهجها الحكيم، ووحدة قيادتها، وقدرتها على التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، وتطبيق إجراءات مبتكَرة، ما جعلها تتصدَّر العديد من المؤشرات العالمية، ويُعزى ذلك إلى عوامل رئيسية منها:
• قيادة استراتيجية مميَّزة وحازمة تفوقت في التعامل مع الجائحة بفاعلية عن طريق تنفيذ استراتيجيات متقدمة، والأخذ بآراء الخبراء والمتخصِّصين، إذ بَدَا جليّاً ذلك التوافق الفريد في القرار السياسي القوي، المبني على أفضل الآراء والتوصيات الطبية التخصصية. وكان للمتابعة الحثيثة من القيادة الرشيدة أكبر الأثر في التصدي للجائحة، فقد طمأنت المواطنين والمقيمين بأن كل شيء سيكون على ما يُرام، وأن الدولة قادرة على تجاوز التحديات، ما يعكس حرص القيادة السياسية واهتمامها بكل مَن يعيش على أرض الإمارات.
• التكامل على المستويَين الوطني والمحلي: أدى التعاون المستمر، والتنسيق المشترك بين جميع الأطراف المعنية، إلى تحقيق أعلى مستويات الاستعداد والاستجابة للجائحة. وتمثَّلت وحدة القيادة الاستراتيجية في المجلس الأعلى للأمن الوطني، وتولَّت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث مسؤولية تحليل المخاطر، وتنسيق الاستجابة للطوارئ والأزمات، وإرسال التوجيهات والتعليمات إلى الجهات المحلية والقطاعات الحيوية، ومتابعة تحقيقها. وعلى مستوى الإمارات السبع باشرت فِرق الطوارئ والأزمات المحلية تنفيذ التوجيهات والتعليمات الوطنية عن طريق مؤسساتها التي تملك الموارد والخبرات المؤهلة في مجالات حيوية مثل الرعاية الصحية، والأمن، والاتصالات، وتوفير الإمدادات الأساسية.
• منظومة صحية فعَّالة ومتطورة تتكوَّن من مستشفيات تخصصية، ومراكز طبية، وكوادر مؤهلة، بإشراف مركزي من وزارة الصحة ووقاية المجتمع. وتميَّزت المرافق الطبية المنتشرة في جميع مناطق الدولة بكونها مجهَّزة بأحدث تقنيات التشخيص والعلاج، وتنفيذ حملات الفحص والعزل، وتقديم العلاج، وتنظيم حملات التوعية والتثقيف، بهدف تعزيز الوعي الصحي بين أفراد الجمهور، كما تميَّزت بالقدرة على توسيع القدرات التشخيصية بشكل كبير عن طريق تفعيل الشراكات العالمية، والاستعانة بمجنَّدي الخدمة الوطنية والمنصات التطوعية. وكان للاستثمار في تبني التقنيات المتقدمة لتعزيز الاستجابة -مثل البيولوجيا الجزيئية، والخلايا الجذعية، والفحص السريع، وإنشاء منصات الابتكار، وتحليل البيانات الضخمة لتحديد الأنماط والتنبؤات المتقدمة- أثر كبير في تعزيز قدرات القطاع الصحي على صعيدَي الفحص والعلاج.
• تعاون قوي مع الشركاء العالميين والمنظمات الصحية: تمثَّل ذلك في المشاركة الواسعة بالمبادرات والبرامج الدولية لمكافحة الأوبئة، وتعزيز الصحة العامة. وأسهمت دولة الإمارات العربية المتحدة في تمويل البحوث العلمية والدراسات السريرية، وتطوير لقاحات وعلاجات جديدة، ما ساعد على تأسيس مراكز بحث محلية. وإضافةً إلى ذلك قدَّمت الدولة مساعدات فنية ومالية إلى الدول النامية لتعزيز استعدادها واستجابتها، منها المعدات الطبية، والإمدادات الضرورية، والدعم التقني، والتدريب، ما عزز مكانة دولة الإمارات إقليميّاً ودوليّاً.
• تكاتف المجتمع الإماراتي من مواطنين ومقيمين: كان له دور حاسم في تحقيق استجابة فعَّالة للجائحة، وتقليل المخاطر المحتمَلة، عن طريق التعاون مع الجهات المعنية، والتزام توجيهاتها، وبذلك كان كل فرد في هذا المجتمع عنصراً فاعلاً، وأحد أبطال الخطوط الأمامية، ومسهماً في تخفيض أخطار الأزمة، وتقليل الأضرار الناتجة منها.
ونحن ندرك أن «كوفيد-19» لن يكون الوباء الأخير، ولكنَّنا على يقين أن دولة الإمارات قد تعلَّمت من هذه التجربة الكثير، وستوظِّف ذلك في التصدي لأي أزمة صحية مستقبلاً، ولا سيَّما أنها لم تقف عند تحقيق هدف الوصول إلى خط النهاية في مواجهة الجائحة، بل حرصت على تعزيز مهارات استشراف المستقبل، وقدرات الوقاية والاستعداد، وتطوير منظومة الرعاية الصحية بأحدث وسائل التكنولوجيا والابتكار، وتعزيز مكانتها العالمية.
وأخيراً يجب ألَّا نُدير ظهرنا للزمن استشعاراً للأمان، بل علينا أن نتعلَّم من تجاربنا، وأن نكون أكثر استعداداً لتحديات المستقبل، وأن نستمر في تطوير سياسات الوقاية، ورفع مستويات الجاهزية للطوارئ والأزمات، لضمان سلامة البشرية، وحماية المجتمعات من التحديات المقبلة.


  الدكتور/ ناصر حميد النعيمي

مدير عام مركز إدارة الطوارئ والأزمات والكوارث لإمارة أبوظبي بالإنابة