قرار الآلاف من جنود الاحتياط، بالتخلي عن واجبهم الطوعي رداً على الإصلاح القضائي، يمثِّل خطراً على أمن إسرائيل والشرق الأوسط الأوسع. . القول بأن إسرائيل منذ عقود أقوى ديمقراطية في الشرق الأوسط، لطالما كان زعماً يجد تحدياً في معاملتها للمواطنين المنحدرين من أصل عربي كمواطنين من الدرجة الثانية - وتعاملها مع الفلسطينيين. اليوم حتى هذا الوصف المقيّد بات مهدَّداً مع مضي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قدماً في تنفيذ خطته لإصلاح القضاء في البلاد.

ائتلافُه الحكومي اليميني مرر قانوناً يكبح صلاحيات الإشراف والمراقبة التي تتمتع بها المحاكم حالياً، تمرير تسبب في تقسيم البلاد وخروج مظاهرات حاشدة منذ أشهر. ومع معارضة مشرّعي المعارضة للتصويت، مُرّر مشروع القانون بأغلبية 64 صوتاً مقابل 0.

القانون سيقيّد قدرة القضاء على نقض القرارات والتعيينات الحكومية. ويزعم رئيس الوزراء بأن القضاة يتمتعون حالياً بسلطات مفرطة، بينما يقول منتقدو الإصلاح الذي يقترحه إن القضاء هو أداة الرقابة الوحيدة على عمل الحكومة. هذا في حين يرى البعض أن الهدف الرئيسي لنتنياهو هو منع المحاكم من محاسبته في حال ثبتت إدانته بتهمة جنائية.خطة نتنياهو، التي تحظى بشعبية كبيرة بين قاعدته اليمينية، أثارت تنديدات قوية ومستمرة من معظم المؤسسة الإسرائيلية، بما في ذلك جنود الاحتياط وقادة الأعمال الذين يخشون أن يؤدي إضعاف القضاء إلى الإضرار بحكم القانون، ويجعل الاقتصاد غير جاذب للاستثمارات.

وكانت التقارير حول تسوية محتملة أدت إلى ارتفاع قيمة الشيكل، لكن العملة الإسرائيلية انخفضت بحدة بعد التصويت، مما جعلها واحدة من أسوأ العملات أداء بين سلة العملات الرئيسية التي تتابعها خدمة بلومبرج.

في واشنطن، كان هناك الكثير من الجدل بشأن صحة الديمقراطية الإسرائيلية خلال فترة ما قبل التصويت. وفي هذا الإطار، دقّ الرئيس جو بايدن ناقوس الخطر مرتين في أقل من أسبوع. ففي مكالمة هاتفية مع نتنياهو في 17 يوليو، حثّ رئيسَ الوزراء على السعي للتوصل إلى حل وسط مع المعارضة.

وفي تصريح لموقع أكسيوس عشية التصويت، دعا بايدن نتنياهو مرة أخرى إلى العدول عن ذلك، قائلاً: «بالنظر إلى التهديدات والتحديات التي تواجه إسرائيل في الوقت الحالي، ليس من المنطقي أن يستعجل القادة الإسرائيليون ذلك – فالتركيز يجب أن يكون منصباً على توحيد الناس وإيجاد إجماع».

والواقع أنه من النادر أن يتدخل رئيس أميركي بهذا الشكل الصريح في الشؤون الداخلية لدولة صديقة، ناهيك عن اتخاذ موقف علني ضد الأجندة التشريعية لزعيمها. ولكن الآن وبعد تجاهل رئيس الوزراء لنصائحه، سيجد الرئيس الأميركي نفسه مطالَباً بالرد. سيكون سهلاً، ولكن بلا جدوى أن يستمر بايدن في التذرع بالقيم الديمقراطية في انتقاد نتنياهو. ذلك أن الزعيم الإسرائيلي أظهر مناعة ضد مثل هذا الانتقادات.

وعلى كل حال، فإن بايدن نفسه يعاني من مشكلة مصداقية في هذا الشأن، بعد أن أبدى تساهلاً تجاه قادة بلدان أجنبية صديقة يزدرون هذه القيم – تأمل كرم الضيافة والعناية الخاصة التي أحاط بها رئيسَ الوزراء الهندي ناريندرا مودي الشهر الماضي. كما أن بايدن لا يمكنه، من الناحية الواقعية، أن يهدِّد إسرائيل بتدابير عقابية مثل حجب المساعدة العسكرية، مثلما اقترح البعض في مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن. إذ سيمثّل ذلك سياسة سيئة، ستقابَل برفض واستهجان واسع من كلا الحزبين في الكونجرس، حيث يظل الدعم غير المحدود لإسرائيل موضوع إجماع بالنسبة للجميع، باستثناء أقلية صغيرة من المشرّعين الديمقراطيين. كما سيمثّل استراتيجية أمنية سيئة؛ ذلك أن المساعدة الأميركية لإسرائيل لم تكن قائمة أبداً على القيم الديمقراطية، وإنما كان هدفها الرئيس حمايتها من الجيران. إسرائيل ليست المستفيد الوحيد من علاقتها الدفاعية مع الولايات المتحدة؛ ذلك أن البنتاغون أيضاً لن يرغب في فقدان الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية المتطورة، ولا سيما في مجال الحرب الإلكترونية.

غير أنه إذا كان حجب المساعدة أمراً غير وارد، فيجب أن يكون بايدن قادراً على استخدام مصلحة أميركا الواضحة في الحفاظ على القوة العسكرية الإسرائيلية كأساس للحجة ضد شطط نتنياهو التشريعي. ذلك أن قرار الآلاف من جنود الاحتياط، بالتخلي عن واجبهم الطوعي رداً على الإصلاح القضائي، يمثِّل خطراً على أمن إسرائيل والشرق الأوسط الأوسع. وقد أقر الجنرال هرتزل هاليفي، رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، بأن تماسك جيش الدولة بات في خطر.

وهذا هو الذي ينبغي أن يشكّل إطاراً لمحادثات بايدن مع نتنياهو حول الأزمة التي خلقها الزعيم الإسرائيلي، وليس الشعارات الضعيفة حول الديمقراطية. *كاتب وصحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سيندكيشن»