يُصادف يوم التاسعَ عشرَ من أغسطس من كل عام، اليوم العالمي للعمل الإنساني. وهو يوم يستحق أن نحتفي فيه بقيم التعاون والتكاتف، وبكل الجهود التي تتضافر من أجل غايات وأهداف ساميه تخدم البشرية، لا سيّما في أوقات الأزمات والكوارث. وليس هناك أسمى من الحفاظ على الأرواح وسلامتها وأمنها، في ظل ما تعيشه العديد من دول العالم من صراعات ومشاكل، أدت إلى خلق تحديات كبيرة لا يمكن تجاوزها دون تعاون وتقديم يد العون والإغاثة للمنكوبين والمتضررين منها.

ويأتي مجال العمل الإنساني ودعم العاملين فيه من أهم صور هذا التعاون والتكاتف المنشود، وكلما اتسع نطاق العمل الإنساني كان ذلك دلالةً ومظهراً من مظاهر تقدم الدول وتميُّزها، وهو أيضاً دليل على الوعي والتواصل بين المؤسسات المعنية وأفراد المجتمع، وشراكتها بمختلف الأشكال لتقديم الخدمات الإغاثية المطلوبة. وتكمن أهمية العمل الإنساني كذلك في كونه انعكاساً لحيوية المجتمع وتفاعله مع العالم، وهو يمثل معياراً للتقدم الإنساني لهذه المجتمعات.

ومن الطبيعي أن تشترك جهات عدة في تعزيز ونشر ثقافة العمل الإنساني والإغاثي، بدءاً من الأسرة والمدرسة، وصولاً للمؤسسات الإعلامية والخيرية التي تحمل على عاتقها دوراً أكثر شمولاً، إذ إنه يرتبط بوضع الأهداف ونشر الرسائل الإعلامية التي تسهم في خلق وعي أكبر، بما يخدم المجتمعات ويزيد من تكاتفها وتعاونها، لا سيّما في الظروف والأزمات الصعبة. كما تتضح حاجة المجتمعات إلى ثقافة العمل الإنساني، وأهمية الدور الإغاثي الذي يؤديه العاملون في هذا المجال، من خلال تصريحات المسؤولين في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، والتي تشير إلى ارتفاع الطلب على المساعدات الإغاثية والعاجلة حول العالم. وقد أطلق المكتب في العام الماضي تقرير اللمحة العامة عن العمل الإنساني العالمي (GHO) لعام 2023، وعرض من خلاله الاحتياجات الإنسانية والموارد اللازمة لتلبية الاستجابة لها، وإيصال أصوات الأشخاص المتضررين.

وأوضح التقرير أنه في عام 2023 سوف يواجه 45 مليون شخص في 37 دولة خطر المجاعة. وأن 222 مليون شخص على الأقل في 53 دولة سيواجهون انعداماً حاداً للأمن الغذائي بحلول نهاية عام 2022، أي أن عدداً قياسياً من الأشخاص سوف يكونون في حاجة ماسّة إلى مساعدات إنسانية هذا العام.

وقد ذكر منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة - مارتن غريفيثس - أن ما نواجهه هو نتيجة لحروب قديمة، إذ إنه بمجرد انتهائها تبدأ حروب أخرى جديدة، لتخلق نزاعات ممتدة. يُضاف إلى ذلك حالة الطوارئ المناخية التي يعيش العالم في سباق مع الزمن لتخفيف آثارها السلبية، إلى جانب الانهيار الاقتصادي الذي زادت من حِدّته جائحة كوفيد- 19، لتزداد معها الحاجة إلى استجابة تتماشى مع حجم الأزمة.

إن اليوم العالمي للعمل الإنساني لا يسلط الضوء فحسب على الأزمات والكوارث والمتضررين منها، بل يُسلط الضوء أيضاً على العاملين والمتطوعين في مجال الإغاثة والعمل الإنساني، وينبه إلى حجم التحديات والصعوبات التي يواجهونها للحفاظ على سلامتهم، وتمكينهم من إيصال المساعدات في الوقت المناسب، وتحسين أوضاع المنكوبين والمتضررين دون أي تمييز ضار، والعمل على أساس المساواة والعدل وروح الأخوة الإنسانية.

العمل الإنساني، وحجم الانخراط في الدور الإغاثي من قِبَل الأفراد والمؤسسات في أي مجتمع، هو دلالة على تقدمه ووعيه، لا سيّما في ظل أولويات التنمية والتطوير الحادث في كافة المجالات، وبالطبع لا يُستثنى منها المجال الإغاثي الإنساني، الذي يساعد على زيادة الترابط والتلاحم الاجتماعي، ويعمل على خلق ظروف معيشية واجتماعية واقتصادية أفضل، في سبيل التخفيف من معاناة الملايين من البشر في مختلف أرجاء العالم، وتقديم ما يُسهم في إعادة الاستقرار لمجتمعاتهم وحفظ سلامتهم وأمنهم.

*مديرة إدارة البحوث بمركز تريندز للبحوث والاستشارات.