تحتفل الهند بعيد استقلالها السابع والسبعين، وبهذه المناسبة قال رئيس الوزراء ناريندرا مودي في خطاب إلى الأمة: «إن نظاماً عالمياً جديداً أخذ يتشكل بعد كوفيد والهند تلعب دوراً رئيسياً في ذلك». مودي، الذي كان يلقي خطابه أمام تجمع ضخم في عاصمة البلاد نيودلهي، تحدَّث أيضاً عن مجموعة متنوعة من المشاكل التي تواجه البلاد التي يبلغ عدد سكانها 1,35 مليار نسمة وتُعد أسرع اقتصاد نمواً في العالم.
ويُنظر إلى الهند على أنها نقطة مضيئة وسط تباطؤ النمو العالمي، إذ يتوقع أن ينمو اقتصادُها الضخم بنسبة 6 في المئة. وعلى هذه الخلفية استمرت قوة الهند العالمية في الازدياد. وطمأن مودي البلاد على «هند جديدة» ذات مستقبل مشرق خلال السنوات الخمس المقبلة. وتعرف الهند معادلة جيوسياسية جديدة، إذ تنمو بسرعة في مرحلة ما بعد كوفيد تماماً مثلما ظهر نظام عالمي جديد عقب الحرب العالمية الثانية. وتزايدت صادرات الهند بوتيرة سريعة، وهو ما يمثِّل نقطة تحول مفصلية للهنود للاستمتاع بالقوة لتشكيل ملامح النظام العالمي الجديد الذي أخذ يتبلور.
في السنوات الأخيرة، مالت الهند إلى الولايات المتحدة أكثر في الوقت نفسه الذي عملت على تحقيق توازن في علاقاتها مع روسيا في إطار سياستها الخارجية. ووسط مشاكل الحدود مع الصين، أخذت الهند تتطلع إلى الغرب أكثر. كما تُعد الهندُ جزءاً من «الحوار الأمني رباعي الأطراف»، الذي يشمل أيضاً اليابان والولايات المتحدة وأستراليا. وقد صعد هذا التجمع إلى الواجهة مؤخراً نتيجةً لحرص الهند على تعميق علاقاتها مع البلدان الثلاث، حيث كانت هناك زيادة في الزيارات المتبادلة بين البلدان الأربع. فقد زار كل من رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الهندَ أوائل هذا العام. كما زار مودي الولايات المتحدة مؤخراً حيث أجرى محادثات مع الرئيس جو بايدن. كل هذا يعكس توجه دول منطقة الهند والمحيط الهادي نحو تشكيل بيئة أمن إقليمية. وقد واصل أعضاء «الرباعي» التأكيد على التزامهم بحكم القانون، والسيادة، والوحدة الترابية، والتسوية السلمية للنزاعات. إذ تعتبر كل هذه البلدان نفسها «قوة من أجل الصالح الإقليمي والعالمي».
وعلى الجانب الآخر، استمرت قوة الصين المتنامية في الظهور عبر العالَم. كما أعادت حرب أوكرانيا تشكيلَ النظام العالمي حيث تعمل روسيا والصين على تعميق شراكتهما في وقت اتحدت فيه الدول الغربية ضد روسيا. وفي الأثناء، تؤيّد الهندُ عالماً متعدد الأقطاب بدلا من عالم أحادي القطبية تتركز فيه القوة في دولة واحدة، إذ استمرت في السعي لتحقيق توازن في علاقاتها مع روسيا، مع العمل في الوقت نفسه على تعميق علاقاتها بالولايات المتحدة وبقية الغرب. وتتمتع الهند بهامش مناورة أكبر في متابعة أهدافها الاستراتيجية بسبب قوتها الاقتصادية المتزايدة. وعلى هذه الخلفية واصلت الهند تعميق علاقاتها متجاوزةً دائرةَ ما تعتبره أصدقاءَها التقليديين.
ويُنظر إلى الهند الآن في العالَم على أنها بلد مهم له قراراته الاقتصادية، ومن المتوقع أن تعيد خياراتُها الاستراتيجية تشكيل خيارات العولمة. ومما لا شك فيه أن هناك الكثير من التحديات التي تواجه الهند، ومن ذلك التضخم. فقد دفع الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية تضخم قطاع البيع بالتجزئة في الهند إلى أعلى مستوى له منذ 15 شهراً، إذ بلغ 7,44٪ في يوليو من هذا العام. وقال رئيس الوزراء الهندي إن جهوداً تُبذل حالياً للسيطرة على التضخم، مؤكداً أنه ليس لدى الهند خيار لأنها تأثرت بأحداث عالمية أدت أيضاً إلى ارتفاع التضخم، مشيراً إلى أن الحكومة ستحاول الإبقاء على الأسعار تحت السيطرة.
وللمرة الأولى، تطرق رئيس الوزراء مودي علانيةً إلى التطورات التي شهدتها مؤخراً ولاية مانيبور الواقعة شمال شرق الهند، حيث يتولى حزبه بهارتيا جاناتا السلطة. فقد اندلعت أعمال عنف عرقية في هذه الولاية المضطربة قبل أكثر من شهرين وأدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة الآلاف حتى الآن، في تحدٍّ أمني داخلي متزايد للحكومة. وحدثت الاضطرابات عقب اندلاع خصومات عرقية بين قبيلتي ميتي التي تشكّل الأغلبية وقبيلة الكوكي التي تمثّل أقليةً، مما أدى إلى نزوح أكثر من 650 ألف شخص. وقال مودي إن الوضع في ولاية مانيبور يتحسن، مؤكداً أن حكومته تقف إلى جانب السكان.
وبالنسبة لمودي، كان هذا خطابه العاشر والأخير لعيد الاستقلال في ولايته الثانية في المنصب. ويتطلع رئيس الوزراء الهندي إلى ولاية ثالثة في السلطة بعد الانتخابات العامة المقبلة المرتقب إجراؤها بحلول مايو المقبل. وقد عكس خطابه إلى الأمة بوضوح الاستعداد لهذه الانتخابات، وأعرب عن أمله في أن تكون الهند دولةً متقدمةً حينما تحتفل بمرور 100 عام على استقلالها سنة 2047. ولا شك في أن المطلوب من أجل تحقيق هذا الهدف هو الحكم الرشيد والنزاهة والشفافية والحياد. فهناك حاجة لتقوية كل هذه الجوانب من خلال المؤسسات والمواطنين والأسرة.. ذلك أنها مسؤولية اجتماعية أيضاً يجب على كل أسرة أن تدركها وتساهم فيها.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي