هبطت مركبة فضاء روبوتية أرسلتها الهند على سطح القمر في الأيام القليلة الماضية. وهبطت المركبة الهندية التي لا تحمل رواد فضاء في الساعة الثامنة والنصف صباح الأربعاء (17 أغسطس) بتوقيت شرق الولايات المتحدة، قرب القطب الجنوبي للقمر، وهي منطقة تطمح فيها دول عدة لأنها تحتوي على مياه في شكل جليد متجمد. 

والهبوط الناجح للمركبة «تشاندرايان-3» انتصار لبلد لديه طموحات متزايدة في ارتياد الفضاء واستقبل هذا النجاح بحفاوة كبيرة في أنحاء الدولة التي يقطنها مليار نسمة. وفي عام 2019، فشلت مهمة مماثلة في اللحظة الأخيرة بسبب مشكلة تتعلق بالبرمجة. لكن المهمة نجحت في وضع المركبة في مدار حول القمر، حيث كانت ترسم خريطة لسطح القمر في السنوات التالية لتلك المهمة.

وأعلن رئيس هيئة أبحاث الفضاء الهندية أن «الهند هبطت على سطح القمر»، بينما شوهد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وهو يلوح بعلم بلاده. والمهمة واحدة من مهام عدة وجهتها الهند إلى القمر. ومن المقرر أن تطلق اليابان مركبة صغيرة إلى القمر في وقت لاحق هذا الأسبوع لاختبار قدرتها على الهبوط بدقة، وهي قدرة قد تفيد مهام أخرى في المستقبل.

وفي وقت لاحق هذا العام، من المقرر أن ترسل شركتان أميركيتان خاصتان، تعملان بموجب تعاقد مع إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)، مركبة فضاء روبوتية لسطح القمر في إطار «برنامج أرتميس» الخاص بناسا. وفي نهاية المطاف، تعتزم «ناسا» إرسال بشر إلى القمر لأول مرة منذ آخر مهمة من مهام برنامج أبوللو في عام 1972.

وتستهدف في تلك المرة تأسيس وجود دائم على سطح القمر وحوله واستغلال موارد القمر للمساعدة في إقامة حياة مستدامة للبشر، وتعتزم «ناسا» أيضاً إنشاء محطة فضائية صغيرة، تسمى «جيتواي»، تدور حول القمر لدعم المهمة. وتعهد «مودي» بدعم وكالة الفضاء الهندية، كرمز لتعزيز مكانة الهند على الساحة العالمية. ويشير محللون إلى أن برنامج الفضاء الهندي يُستخدم كوسيلة لتعزيز الاقتصاد والقطاع التكنولوجي لديها. وتسعى أيضاً إلى منافسة الصين التي لديها طموحات كبيرة في الفضاء، والتي أرسلت مركبة هبطت بالفعل على سطح القمر.

كما تستعرض الهند أيضاً قوتها العسكرية في الفضاء حين أصابت قمراً اصطناعياً بصاروخ في عام 2019، لإظهار قدرتها على استهداف الأصول الفضائية للخصوم. وخلافاً للمنافسين مثل الصين وروسيا، انحازت الهند للولايات المتحدة من خلال توقيع اتفاقية لاستكشاف الفضاء تعرف باسم «اتفاقيات أرتميس»، وهي إطار قانوني يحكم النشاط في الفضاء الخارجي.

ووقع نحو 30 دولة على هذه الاتفاقية إلى الآن، ما يتيح لهذه الدول مشاركة الولايات المتحدة في مهمات فضائية، وإلزامهم بمجموعة من القواعد، مثل تبادل الاكتشافات العلمية وإنشاء «مناطق آمنة»، حيث يمكن للدول أن تعمل دون عائق على سطح القمر. وأثناء مراسم توقيع الاتفاق في يونيو الماضي، أشار السفير الهندي لدى الولايات المتحدة إلى أن «الهند قوة فضائية مسؤولة، وتولي أهمية قصوى للاستخدام السلمي والمستدام للفضاء الخارجي. نحن على ثقة بأن اتفاقيات أرتميس ستعزز نهجاً قائماً على القواعد في التعامل مع الفضاء الخارجي». وبعد محاولة الهبوط الفاشلة في 2019، تعهد «مودي» بأن الهند لن تستسلم. وصرح قائلاً: «لقد اقتربنا جداً. تصميمنا على أن نلمس القمر أصبح أقوى». كذلك عادت الولايات المتحدة لسباق الفضاء مع الصين التي لديها خطط لإرسال رواد فضاء إلى القمر بحلول عام 2030.

وحددت «ناسا» موعد أول هبوط للبشر على سطح القمر في عام 2025، لكن مسؤولين في الوكالة أفادوا بأن الموعد قد يتأجل إلى عام 2026. وأشار «جيم فري»، المدير المشارك في إدارة أنظمة الاستكشاف ومهام التطوير التابعة لناسا في وقت سابق هذا الشهر بأن الأمر قد ينتهي بأن ترسل «ناسا» مهمة مختلفة. وقد يعني ذلك إرسال مهمة للدوران حول القمر دون الهبوط على سطحه، لكنه لم يذكر تحديداً ما هي هذه المهمة المختلفة. ويؤيد الكونجرس «برنامج أرتميس» ويوفر التمويل للمهمات حتى لو اضطر لخفض أجزاء أخرى من ميزانية الوكالة. فالمنافسة مع الصين قد تحفز البعض لدفع «ناسا» للتحرك بسرعة ومساعدتها لضمان أن يكون لديها التمويل الكافي. وما زالت «ناسا» تسعى لإرسال أربعة رواد فضاء في مهمة حول القمر بنهاية عام 2024.

وهذه المهمة التي تعرف باسم «أرتميس 2» تأتي بعد تحليق ناجح لمركبة الفضاء أوريون، حول القمر العام الماضي دون أن تحمل بشراً. وفكرة وجود ماء قرب القطب الجنوبي للقمر فتنت العلماء ووكالات الفضاء في أنحاء العالم الذين يتطلعون لجني ثمار ذلك. فمن الواضح أن الماء ضروري لبقاء البشر، وأنه قد يكون مكوناً مهماً في أي استيطان للقمر. لكن تفكيك المياه إلى مكونيها الأساسيين، الهيدروجين والأكسجين، قد يستخدم أيضاً كوقود للصواريخ.

وعمل المهندسون في هيئة أبحاث الفضاء الهندية (وكالة الفضاء الهندية) من أجل صنع تصميم قوي لرحلة «المركبة تشاندريان-3»، وانطلقت المركبة يوم 14 يوليو وحلقت في مدار القمر دون أي مشكلات. وكتبت الوكالة في تغريدة يوم الثلاثاء (16 أغسطس) أن «المهمة تمضي وفق الجدول المقرر». وأضافت أن «الأنظمة تجري الاختبارات المعتادة والتحليق السلس مستمر». وتعتزم الهند إرسال مركبة إلى سطح القمر تكون مزودة بقدرات لدراسة تركيب تربة القمر والصخور. وستستمر المهمة إجمالاً نحو 14 يوماً.

*صحفي متخصص في شؤون الفضاء وكالة (ناسا).

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»