تَصَدَّر ملف توسع تكتل «بريكس»، قمة 2023، التي عُقدت مؤخراً في جوهانسبيرغ، بجنوب أفريقيا. وفي ختام القمة، أُعلن ضم 6 دول جديدة إلى التكتل، هي: الإمارات، والسعودية، وإيران، ومصر، وإثيوبيا، والأرجنتين، ضمن المجموعة التي تضم منذ تأسيسها الهند والبرازيل وروسيا والصين، بالإضافة إلى جنوب أفريقيا، التي انضمت إليه عام 2010، في رغبة من قادة بريكس إلى خلق حالة من التوازن في العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي. وبينما أبدت أكثر من 40 دولة رغبتها في الانضمام إلى بريكس، وبالفعل طلبت نحو 24 دولة رسميّاً الانضمام إلى التكتل، نجحت 6 دول فقط في الانضمام رسميًّا إليه بدءاً من مطلع العام القادم.

ومن المعلوم أن اقتصادات دول بريكس تمثّل قبل مشروع التوسع الأخير نحو 26 تريليون دولار من الناتج العالمي لعام 2022، وتسيطر على نحو 17% من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية، فيما تغطي جغرافيا هذه الدول 27% من مساحة اليابسة في العالم.

وخلال العقدين الماضيين، نجح تكتل بريكس في تحقيق نمو اقتصادي كبير، إذ ارتفع مساهمة اقتصاداته في الناتج العالمي من 17.8% إلى 25.7%، بين عامي 2010 و2022، بحسب مؤشرات التنمية العالمية للبنك الدولي.

وعلى صعيد دورها العالمي، تستثمر دول تكتل بريكس في مشروعات عالمية طموحة، منها «مبادرة الحزام والطريق» الصينية، وتطوير 100 مدينة ذكية مرتبطة بقطارات سريعة في الهند، بينما تسعى روسيا إلى بناء الشرق الأقصى الروسي، كجسر اقتصادي جديد بين أوروبا وآسيا. وفي محاولة لاتخاذ ترتيبات بديلة لنظام التجارة القائم على الدولار، تسعى دول بريكس لاستخدام العملات الخاصة بدولها في التبادل التجاري، أو الشروع في استخدام عملة موحدة بديلة لدول المجموعة.

ولا شك في أن انضمام دولة الإمارات إلى تكتل بريكس يفتح آفاقاً واعدة للتعاون مع اقتصادات دول المجموعة، ما يزيد من فرص التبادل التجاري، ودعم القدرة التنافسية للاقتصاد الإماراتي، كما يساعد على جذب المزيد من الاستثمارات لبيئة الأعمال الإماراتية التنافسية، إذ تمثل دول المجموعة مصدراً مهمّاً لتدفقات الاستثمار الأجنبي، ما يفتح المزيد من الخيارات أمام الشركات ورؤوس الأموال الإماراتية.

ويعكس انضمام دولة الإمارات إلى «بريكس» نجاح الدبلوماسية الإماراتية في إبراز رؤيتها لازدهار الاقتصاد العالمي، وتنويع الاقتصاد بما يخدم التنمية المستدامة، كما يؤكد ثقة دول التكتل بأن الإمارات ستكون إضافة نوعية مهمة على المستويات كافة.

وانطلاقاً من كون الاقتصاد الإماراتي من أبرز القوى الاقتصادية الرائدة على مستوى المنطقة، فإن التعاون مع دول بريكس سيسهم في تعزيز دورها في التنمية الاقتصادية والاستقرار الإقليمي والعالمي. وفي الوقت الذي تهدف فيه دولة الإمارات من الانضمام لتكتل بريكس إلى تنويع شراكاتها الدولية، بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني الطموح، فإن ذلك لا يعني عدم الاتجاه نحو تكتل مقابل آخر، فالإمارات حريصة دائماً على تنويع العلاقات مع الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، ومع التجمعات الدولية الأخرى، على المستويات كلها، خاصة النواحي الاقتصادية، أي أن تنويع الشراكات الاقتصادية الشاملة وتعزيزها يُعد ركيزة أساسية لخطط النمو الاقتصادي للإمارات. وبالإضافة إلى الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية، توقّع الإمارات، بين الحين والآخر، اتفاقيات شراكة ثنائية مع الهند وإندونيسيا وإسرائيل وتركيا وكوريا الجنوبية وروسيا وفرنسا وغيرها، ضمن خطط أوسع لمضاعفة حجم الناتج الإماراتي بحلول عام 2030، وإحدى آليات تحقيق هذا الطموح تنويعُ الشراكات وتكثيف التعاون مع جميع دول العالم.

وبصرف النظر عما يُثار بشأن التنافس الجيواستراتيجي بين الغرب ومجموعة بريكس، فإن الواقع يؤكد أن للإمارات نهجاً ثابتاً ومتوازناً في إدارة علاقاتها الدولية. ومثلما يُنظر بتفاؤل شديد إلى آفاق التعاون الإماراتي مع دول بريكس، فإن ذلك لا يغير من كون الولايات المتحدة شريكاً تجاريّاً واستثماريّاً طويل الأمد لدولة الإمارات.

الرئيس التنفيذي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات