تتجه إدارة الرئيس جو بايدن لتنخرط في مزيد من الإجراءات والتدابير في الشرق الأوسط، وتجاوز عثرات ولايتها الراهنة مع تطلع بايدن إلى ولاية جديدة بصرف النظر عن منافسة شخصيات بثقل كمالا هاريس وجافن نيوسوم وبيت بوتيجيج وبيرني ساندرز، وغيرهم له في الحزب «الديمقراطي» لعملية ترشحه، الأمر الذي يؤكد وجود رغبة حقيقية للرئيس بايدن في تحقيق إنجازات جديدة ليس في جنوب شرق آسيا، أو تجاه الصين وروسيا فقط، بل في أماكن أخرى، إذ إن الإدارة الأميركية تعثرت في تحقيق مكاسب حقيقية خارج نطاقات الشرق الأوسط.، وبعد أن وضعت سياستها الخارجية أولوية غير متقدمة ارتكاناً على تركيز مصالحها العليا في مناطق أخرى، والاتجاه إلى آسيا.

أما اليوم - ونتيجة لجملة إخفاقات مُنيت بها إدارة الرئيس جو بايدن، وتعثر تحقيق إنجازات يمكن أن تذهب بها الإدارة «الديمقراطية» إلى الجمهور الأميركي، ومحاولة إقناعه فعلياً بما تم. وعلى اعتبار أن الأساس للمواطن الأميركي يكمن في الداخل وليست أولويات السياسة الخارجية - اتجه مستشارو الرئيس بايدن لمحاولة تحقيق مكاسب مرحلية وعاجلة يمكن أن يستثمرها فريق الحملة الانتخابية للرئيس بايدن، حيث يدرك الحزب «الديمقراطي» أن «الجمهوريين»- وفي المقابل - سيعملون على متغيرات حقيقية يمكن توظيفها في أتون ما سيجري من مناكفات حزبية حقيقية، وهو ما يؤكد أن الحزب «الديمقراطي» سيغير من قواعد تعاملاته، وسيتجه إلى تحريك البوصلة إلى الشرق الأوسط، وهو ما يلمح في سلسلة من الإجراءات التدريجية التي تعمل عليها الإدارة الأميركية من تعزيزها حضورها الاستراتيجي في المنطقة، وإعادة تنفيذ بنود الاستراتيجية الأميركية التي أعلنها الرئيس جو بايدن شخصياً في أغسطس العام الماضي، وأكد فيها دور الشركاء الفاعلين في مواجهة ما يجري من تطورات تمس الأمن القومي الأميركي من الخصوم.

وقد برز ذلك مؤخراً في مشاركة الولايات المتحدة في المناورات الدورية في الشرق الأوسط، والمعروفة باسم «النجم الساطع»، وتكثيف الاتصالات العربية الأميركية في الشرق الأوسط، مع استمرار قيام الوفود الأميركية في زيارات للشرق الأوسط من قبل الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري».

وفي إشارة مهمة إلى أن إدارة بايدن «الديمقراطية» تعمل على إعادة ترتب حساباتها في الإقليم بحثاً عن إنجازات جديدة يمكن أن تطرحها في الفترة المقبلة بعد إدراكها أنها لم تنجز أية مكاسب في ملف الصراع العربي الإسرائيلي. ولم تقدم الإدارة على طرح رؤية أو منهج للتفاوض، وانحازت إلى الجانب الإسرائيلي برغم الخلافات الشخصية بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، كما لم تتحرك الإدارة فعلياً في إنجاز الملف النووي، وارتبكت في إدارة التفاوض مع الجانب الإيراني.

  ولم تستطع الإدارة  تحديد المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها المصالح الأميركية في الفترة المقبلة، خاصة مع إدراك الإدارة الأميركية بأن تبعات ما سيجري في الأسابيع المقبلة من مهاترات حزبية داخل الحزب «الديمقراطي»، ومع الحزب «الجمهوري» مما سيدفعها لإعادة ترتيب خياراتها، وحساباتها السياسية والاستراتيجية.

وفي ظل ما يجري، ويطال الرئيس بايدن، خاصة في قضية نجله هانتر، واحتمالات إعادة فتح ملف الوثائق التي قد يدان فيها مسؤولون كبار في الحزب «الديمقراطي»، فإن هذا سيدفع الحزب للبحث عن طوق النجاة، وإعادة تمركز الأولويات، والمهام الكبرى في الشرق الأوسط تخوفاً من أن تقدم الصين وروسيا على إعادة ترتيب حساباتهما في المنطقة في ظل صراع على بناء شبكات العلاقات والمصالح، وهو ما سيدفع الإدارة الأميركية لمحاولة التمسك بحضورها السياسي والاستراتيجي، بل والعمل على تمتين وجودها الاستراتيجي في مواجهة ما يجري، خاصة أن بعض الدول العربية الوازنة اتجهت بالفعل إلى تنويع علاقاتها الدولية، والاتجاه إلى بناء منظومة علاقات إقليمية ودولية مختلفة، وهو ما تضعه الإدارة الأميركية في بؤرة أولوياتها.

وقد برز ذلك في دخول دول مثل دولة الإمارات العربية والسعودية ومصر، «بريكس»، وكذلك الاتجاه إلى الانفتاح على الخارج بمقاربة مصلحية غير تقليدية، وهو ما حذر منه الكونجرس مؤخراً في جلسات الإنصات التي تعقد دورياً، وتتعلق بكيفية التعامل مع الشركاء الكبار في الشرق الأوسط، وبصرف النظر عن طبيعة التباينات المتعددة بين بعض الدول العربية الرئيسة، والولايات المتحدة. السؤال هل ما يتبقى من عمر ولاية بايدن يسمح لها بالحركة والتعامل، وإعادة تركيز حساباتها، أم أن هذا الأمر يأتي في توقيت غير مناسب؟

تراكمات الموقف الأميركي بكل سلبياته تلقي بتبعاتها على مسارات واشنطن المقبلة، خاصة في ظل التخوف الأميركي من افتقاد المصداقية في مسارات تحركها، إضافة إلى تحرك الدول العربية في اتجاهات متنوعة، ما يزعج الإدارة الأميركية بالفعل، وسيؤدي بها إلى مزيد التجاذب، وليس التوافق، وفي ظل ارتباك وتردد لافت في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.