إذا سارت الأمور على ما يرام، فستصبح اليابان على الأقل الدولة الرابعة التي تطلق مركبة فضاء إلى القمر هذا العام، مما يجعل استكشاف القمر أكثر نشاطاً مما كان عليه منذ خمسة عقود. تقود هذه النهضة دول لا تعتبر عادة من الدول الرائدة في سباق الفضاء، وهو تطور مهم للكوكب بأكمله. في الحقيقة، يعد إطلاق مركبة كبيرة نحو القمر على أمل النجاح في الهبوط أمراً صعباً وممتعاً، لكنه لا يحقق ربحاً. ولحسن الحظ، فإن المساعي البشرية لا تكون مدفوعة فقط بالأرباح. غالباً ما تكون المغامرات العظيمة مدفوعة بالقومية والغزو الإمبراطوري.

وقد فازت الهند بالجولة الأخيرة في أغسطس الماضي بكونها أول من هبط بمركبة فضائية بالقرب من القطب الجنوبي للقمر. ومن المثير للاهتمام أنها تمكنت من تحقيق هذا الإنجاز بعد أيام قليلة من محاولة روسية فاشلة، في تحقيق المهمة ذاتها. وبما أننا نسجل النتائج، أصبحت الهند الآن ثاني دولة لديها مركبة جوالة تعمل حالياً على القمر بعد الصين.

في صباح يوم الخميس، ستحمل عملية إطلاق الصاروخ الياباني H2-A، والتي تأخرت بالفعل بسبب الطقس، ما يمكن أن يصبح أول مركبة هبوط على سطح القمر لهذا البلد. بالنسبة إلى المهووسين بالفضاء، هذا هو الوقت الأكثر إثارة منذ الستينيات، عندما تبادل الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الصواريخ وأصبح سباق الفضاء العظيم بمثابة وكيل للحرب الباردة.

قد يكون من قبيل الصدفة أن ينتصر الأميركيون في معركة إنزال البشر على القمر، كما انتصروا في الحرب أيضاً، لكن يجب ألا نتجاهل حقيقة أن الأمة التي تتمتع بتكنولوجيا متفوقة - تطور قدر كبير منها كاستجابة مباشرة للتنافس - ظلت أقوى قوة صناعية وعسكرية منذ ذلك الحين. في المجمل، لدينا خمس دول على الأقل - الصين واليابان وكوريا الجنوبية وإسرائيل وروسيا - تتنافس لوضع جسم ما على السطح، وهي خطوة أصعب بكثير من مجرد الدوران حول القمر والتقاط الصور. وتخطط الولايات المتحدة لإعادة البشر لأول مرة منذ عام 1972 وإنشاء قاعدة هناك. والآن، حان الوقت لدول جديدة للدخول في اللعبة، والاستفادة من برامج الإطلاق إلى القمر الخاصة بها.

لن تكون المهمة رخيصة، وسيكون هناك الكثير من الإخفاقات. وبفضل دخول اليابان في السباق، أصبحت شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة الآن شركة فضاء. ويمكن ضخ العائدات الناتجة عن إطلاق الأقمار الصناعية وإلقاء المزيد من الأشياء على القمر مرة أخرى في كل شيء، بدءاً من أنظمة التحكم إلى المكونات الإلكترونية، مما يفيد أعمالها الأخرى، بما في ذلك الطيران والمواد المتقدمة.

وهناك كوريا الجنوبية التي تقف في الطابور، أيضاً. إذ أعلنت شركة هيونداي في أبريل أنها تتعاون مع معاهد الأبحاث الكورية الكبرى وتتوقع إرسال مركبة إلى القمر في غضون أربع سنوات. ولإنجاز هذه المهمة، ستقوم شركة صناعة السيارات بنشر التقنيات التي تطورها، بما في ذلك الروبوتات، وتقنية «ليدار»LiDAR، والشحن بالطاقة الشمسية، والقيادة الذاتية، والحماية من الإشعاع. ثم هناك إسرائيل، حيث تخطط منظمة «سبيس آي إل» SpaceIL غير الربحية لإرسال مركبة «بيريشيت 2» في محاولة ثانية للهبوط على سطح القمر بحلول عام 2025، بعد تحطم «بيريشيت 1» على السطح في عام 2019. وقد تعرض هذا المشروع للخطر بعد أن سحب المانحون الرئيسيون استثماراتهم في مايو الماضي.

ويثير هذا الاهتمام المتجدد المخاوف من زيادة التنافس وسباق تسلح آخر. هذه مخاوف معقولة، ولكن هناك شيئاً أكثر أهمية يجري الآن: سلسلة جديدة من الإنجازات القمرية تعني مجموعة جديدة كاملة من التقنيات التي سيتم تطويرها، بواسطة دول جديدة في هذا المشروع.

وتم نشر العديد من هذه التقنيات لاحقاً في حرب فيتنام والحروب اللاحقة، وقد انضمت منذ ذلك الحين شركة «لوكهيد بروبالوجن» Lockheed Propulsion، التي قامت ببناء المحركات الرئيسية المستخدمة في برنامج «أبولو»، وشركة «مارتن»، المسؤولة عن صواريخ «تيتان» Titan التابعة لبرنامج «جيميني» Gemini، لتشكيل واحدة من شركات الدفاع الرائدة في العالم. على الرغم من أن قدراً كبيراً من المعرفة المستمدة من تمكين 12 شخصاً فقط من المشي على سطح القمر قد تم استخدامها في الماضي في التطبيقات العسكرية، إلا أن الكثير منها تم استخدامها في الأغراض المدنية.

يعد التصوير الرقمي الحديث، بما في ذلك الكاميرات المستخدمة في الهواتف الذكية، سليلاً لأبحاث وكالة ناسا المبكرة. وتم تطوير أو تحسين العشرات من التقنيات، بدءاً من الخلايا الشمسية وتنقية المياه إلى الدفع الصاروخي والنفاث، بأموال وكالة ناسا. وقد أعطى هذا الجهد، الذي جاء مباشرة من البيت الأبيض وخطاب جون إف كينيدي الشهير عام 1962، للصناعة الأميركية تقدماً كبيراً ستتمتع به لعقود قادمة.

وبينما يُظهِر هبوط الصين على سطح القمر براعة قطاع الطيران لديها، فإن نجاح الهند جدير بالملاحظة نظراً لميزانيتها الضئيلة التي تبلغ نحو 75 مليون دولار. لا يعني ذلك أن الصينيين مبذرون أيضاً، لكن ميزانية الدولة الفضائية تبلغ 8 مليارات دولار، وهي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وتسلط مشاكل التمويل التي تواجهها إسرائيل الضوء على التحدي الأول الذي يواجهه إطلاق الصواريخ من الأرض، والذي يتمثل في التمويل.

ولكن بما أن الحكومات، إلى جانب المنظمات البحثية والعملاء التجاريين، تجد الأموال اللازمة لتحقيق هذه المشاريع، فإننا نواجه احتمالاً حقيقياً للغاية بأن تصبح المشاريع القمرية مشروعاً عالمياً حقاً. وهذا وحده إنجاز يستحق الاحتفال.

تيم كولبان

*كاتب متخصص في قضايا التكنولوجيا.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوسن لايسينج آند سينديكيشن»