مع انطلاق أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في دورتها الثامنة والسبعين، يعن لنا أن نتساءل:«هل إشكالية الأمم المتحدة محصورة فقط في الأزمة المالية التي تعتريها، أم أنه حان الوقت لمزيد من التعديل والتبديل في جوهر الفكرة الأممية عينها، ومن غير أن يعني ذلك حل المؤسسة أو تفكيكها مرة وإلى الأبد؟

الشاهد أن أفضل من قدم جوابا عن السؤال المتقدم البروفيسور فرانسيس فوكاياما، أستاذ كرسي برنارد ال. شوارتز للاقتصاد السياسي الدولي، ومدير برنامج التنمية الدولية في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز الأميركية الشهيرة. بداية يرى فوكاياما أن العالم اليوم لا يمتلك ما يكفي من المؤسسات الدولية التي تستطيع أن تسبغ الشرعية على العمل الجماعي، وسيكون إنشاء مؤسسات جديدة تستطيع أن توازن على نحو أفضل متطلبات الشرعية والفاعلية، هو الواجب الأسمى للجيل القادم، ونتيجة لأكثر من مائتي عام من التطور السياسي نحن نمتلك فهماً جيداً نسبياً للكيفية التي تنشأ بها مؤسسات تكون ملزمة بالأحكام، وقابلة للمساءلة، وهي مع ذلك فعالة على نحو معقول في الصوامع العمودية التي ندعوها بالدول، وما لا نمتلكه هو المؤسسات الكافية التي تتميز بقابلية المساءلة الأفقية بين الدول.

يقودنا فوكاياما إلى التفكر والتدبر في إشكالية أعمق، وهي مسالة الحكم الكوني، وهل لا يزال فاعلا في زمن التعددية القطبية، أم أن التشظي الأممي بين اليمين واليسار تارة، وبين القومية والدولة الدينية تارة أخرى، يأخذنا في دروب بعيدة عما هو قائم الآن في شكل المبنى الزجاجي على ضفاف نهر الهدسون الأميركي؟

علامة الاستفهام تقتضي منا القول إن العالم لم يعد يمينا ويسارا فقط، بل عشرات الألوان السياسية، وهناك ما يستجد، أما وجود الأمم المتحدة فهو بطريقة ما اليوم يمنع الناس في اليمين واليسار على السواء من التفكير بوضوح في الحكم الكوني. اليمين يرى أنها مؤسسة تقطع عليه طريق التمدد والتحكم في مقدرات العالم، فيما اليسار يشدد على أهميتها ويرى أنها تلعب دوراً مصيرياً على صعيد الكرة الأرضية.

ما هو الحل إذن؟ الحل الواقعي الذي ينشده مفكر كبير بقدر فوكاياما لمشكلة العمل الدولي الذي يكون فعالا وشرعيا معا، يكمن في إنشاء مؤسسات جديدة، وتكييف المؤسسات الموجودة لتلاءم الظروف الجديدة. ماذا عن الدور الأميركي في تلك المؤسسات الجديدة؟

بحسب فوكاياما، سيكون ملائما للخارجية الأميركية أن تروج لعالم بعدد كبير من المؤسسات الدولية المتداخلة، وأحيانا المتنافسة، وهو ما يمكن أن يسمى تعدد متعددي الأطراف. في هذا العالم لن تختفي الأمم المتحدة، ولكنها ستصير واحدة من منظمات متعددة تحتضن العمل الدولي المشروع والفعال. عطفا على ذلك، يمكننا أيضا الإشارة إلى أن هناك جزئية أخرى باتت مصيرية في تقرير مستقبل الهيئة الأممية، وتتعلق بتركيبتها القديمة، لا سيما عضوية مجلس الأمن، التي تقتصر الآن على الخمسة الكبار الذين آل إليهم العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

تغير العالم كثيراً جداً مؤخراً، وبدا أن هناك قوى إقليمية ودولية بازغة تلعب أدواراً مهمة وفاعلة لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار في الحسابات الأممية، وبنوع خاص فيما يخص مسألة الفيتو أو حق النقض، فقد بات من غير المقبول أن تتحكم خمس دول في مقدرات العالم في حين تبقى البقية الباقية على هامش الأحداث. وفي كل الأحوال تبقى فكرة التجمع الدولي مسألة جوهرية بالنسبة لمستقبل الإنسانية، لكن الشكل الجديد هو القضية في هذا النقاش.

*كاتب مصري