مرة أخرى، كانت الولايات المتحدة تتحدث إلى العالم كالمعتاد باعتبارها مضيفاً وقائداً وقوة من أجل الخير - أو على الأقل مدافعة عن العالم ضد البؤس والشر. وقد عزف الرئيس جو بايدن على كل الأوتار الصحيحة في نيويورك عندما ألقى كلمة أمام 193 دولة مجتمعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ومع ذلك، فإن مناشداته لن تكون كافية على الإطلاق للحفاظ على تماسك العالم. من بعض النواحي، كان بوسع هذه الدورة، وهي الثامنة والسبعون للأمم المتحدة، أن تسلط الضوء على الدور الذي تلعبه أميركا باعتبارها الجانب الوحيد المعقول أو «القوة المهيمنة» على ما تبقى من النظام الدولي الليبرالي الذي بُني بعد الحرب العالمية الثانية. ولم يحضر زعماء الدول الأربع الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – روسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة. وكانت المنصة متاحة لبايدن بمفرده.

من ناحية أخرى، أشار بايدن إلى المشكلات الصعبة التي تتقاسمها البشرية جمعاء، والتي من المفترض أن تحلها الأمم المتحدة باعتبارها المنتدى الرئيسي للتعاون الدولي على هذا الكوكب. هذه هي أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، ومن المؤسف أن تحظى التهديدات الوجودية بمثل هذه التسميات البيروقراطية. تتراوح هذه الأهداف بين إبطاء تغير المناخ إلى تخفيف الجوع، والقضاء على الفقر، والقضاء على مرض السل، وتعليم الفتيات وغيرها.

وفي إشارة إلى العديد من المندوبين من «الجنوب العالمي» الذين يشعرون بالإحباط لأن دول أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية تلعب مثل هذه الأدوار الهامشية في نظام الأمم المتحدة، جدد بايدن عرضه لإصلاح مؤسساتها، واقترح أن يتوسع مجلس الأمن ليبدو أشبه بالواقع الجيوسياسي للقرن الـ21 وليس في منتصف القرن العشرين. ومع ذلك، فإن كلماته، التي قالها بتلعثم أو حذف العديد منها كما هي عادته الخطابية، لن تنضم إلى كلمات بريكليس أو لينكولن أو تشرشل أو غيرهم من القادة في منعطفات تاريخية مماثلة. إن ضجيج المتناحرين والقتال في العالم صاخب للغاية بحيث لا يمكن سماعه خارج القاعة، كما أن هسهسة المتهكمين كانت عالية جداً.

بدأت الانقسامات مع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي كان من المفترض على الأمم المتحدة أن تمنعها وتعاقب عليها. وتستمر مأساة الإنسانية مع أهداف التنمية المستدامة الأخرى. لقد تم اعتماد هذه الأهداف في عام 2015 ومن المقرر حلها بحلول عام 2030، إلا أن هذه الأهداف تتراجع بدلاً من ذلك. (قامت شركة بلومبيرج بدمج أهداف التنمية المستدامة في استراتيجية الاستدامة الخاصة بها، والتي تم توضيحها في تقرير بلومبرج للتأثير). واليوم، يعيش عدد أكبر من الناس في فقر مدقع، مقارنة بما كان عليه الحال قبل جائحة كوفيد. وبمعدل التقدم الحالي، سيتم معاملة الرجال والنساء على قدم المساواة خلال 300 عام.

كما أن ظاهرة الاحتباس الحراري تتسارع بدلاً من أن تتباطأ، وكانت الكوارث المناخية هذا العام مجرد إشارة لما سيأتي. علاوة على ذلك، فإن القيادة الأميركية كما أعلن عنها بايدن تبدو أقل مصداقية في نظر الكثير من دول العالم. قليلون في الجمعية العامة لم يلاحظوا أن بايدن يواجه احتمال عزله، ومحاكمة ابنه هانتر، ولم يغب عن انتباههم أن الولايات المتحدة أصبحت غير قادرة على نحو متزايد على ترتيب بيتها المالي.

الكثير من هذا يدل على الاستقطاب الشديد في أميركا، والذي سيزداد مع بدء ظهور الرئيس السابق دونالد ترامب أمام محاكم مختلفة للدفاع عن نفسه ضد التهم الجنائية الـ91 الموجهة إليه، معظمها بمحاولة سرقة انتخابات 2020. وبعد ذلك، في العام المقبل، من المحتمل أن يتواجه هذان الرجلان مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية. لذا فلن يفيد أن أميركا، البطل المفترض للمجتمعات الحرة والمفتوحة، تناضل من أجل الحفاظ على ديمقراطيتها وحضارتها.

وليس من المطمئن أن يعود ترامب أو أي مرشح من أنصار ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2025. هذه الخلافات داخل أميركا هي أحد الأسباب التي تجعل «التعددية» في موقف دفاعي وفي صعود، في شكل كتل أصغر تتنافس مع بعضها البعض. ولكن هذا الضعف الذي تتسم به التعددية ليس جديدا، ولا يزال من الممكن التغلب عليه. في عام 1945، كتب «جون فوستر دالاس»، أحد واضعي ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو (ووزير خارجية الولايات المتحدة بعد عقد من الزمن)، أن «افتقار الأمم المتحدة إلى السلطة السياسية هو حقيقة شبه دائمة»، لأن الأمم المتحدة صممتها الدول المشاركة بهذه الطريقة. ومع ذلك، يرى دالاس أنه كان من الواجب على العالم أن يستمر في السعي إلى التعاون، وعلى أميركا أن تستخدم قوتها للمساعدة في تحقيق هذا الجهد.

إن بايدن لديه نفس التفكير. لكنه أيضاً زعيم لقوة مهيمنة طويلة الأمد تراقب نظام ما بعد الحرب القديم. وقد كرر في كلمته أمام الجمعية عبارة واحدة من أجل التأثير: «نحن نعلم أن مستقبلنا مرتبط بمستقبلكم». لكن لم يكن ذلك مشجعاً كما هو مقصود منه.

أندرياس كلوث *

* كاتب متخصص في شؤون الدبلوماسية الأميركية والأمن القومي والجغرافيا السياسية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»