إن مفهوم الديمقراطية أحد المفاهيم التي خضعت عبر تاريخ البشرية لتجارب تطبيقية مختلفة، وقد تكون متباينة في بعض الحالات بدءاً من التجربتين اليونانية والرومانية في العصور القديمة، حيث كانت المدينة الأثينية في القرن الخامس قبل الميلاد تعتمد نظاماً ديمقراطياً، حيث كان يمكن للمواطنين المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية وصياغة السياسات. لكن هذه الديمقراطية القديمة كانت تختلف إلى حد بعيد عن النماذج الحديثة للديموقراطية. وفي العصور الرومانية، اعتمدت جمهورية روما نظاماً مماثلاً للديموقراطية، حيث كان هناك مجلس شعبي ومجلس الشيوخ ثم مر المفهوم بالتجربة الغربية في عصر النهضة، ونما المفهوم في العديد من الدول الأوروبية وانعطافها مع الثورة الفرنسية التي كانت هي القاعدة التي بني عليها المفهوم الحديث الذي تمارسه العديد من دول العالم الغربي، وغيرها من بعض دول العالم.
وتمثل عملية الانتخابات البرلمانية عمود الخيمة الذي عليه تبني الديموقراطيات تجربتها السياسية، والتي تحقق المشاركة المجتمعية والشعبية في الرقابة والتشريع وإدارة شؤون الدولة. وبنظرة سريعة للتجربة البرلمانية حول العالم، سنجد أن كل مجتمع له تجربته المتفردة، والتي تتوائم مع تكوينه المجتمعي وثقافته الموروثة، وهذا يدفعنا لطرح تساؤل مؤداه: هل الديمقراطية مفهوم مطلق غير قابل للنقد والتجديد وإيجاد صور وآليات عدة له؟
كل فكر إنساني هو في الأصل نسبي، قابل للتعديل والتغيير والمواءمة. من هنا ندرك أن الديمقراطية مفهوم متغير، فالمجتمعات الغربية كانت تجربتها الحديثة نابعة من تغيرات طالت البنية الثقافية الأوروبية عبر تحولات حادة عاشتها أوروبا من عصور الظلام، وما تلاها من عصر النهضة، والذي صاحبه تفكيك النزعة القبلية والتعصب القومي عند الشعوب قبل الحكومات، فصنع هذا نموذجاً برلمانياً ديموقراطياً مختلفاً يتسق مع ثقافة المجتمعات الغربية.
وصولاً إلى التجربة الانتخابية الإماراتية، نجد أننا أمام نموذج مختلف آمنت فيه القيادة الإماراتية بخوض تجربة مختلفة تنبع من أصالة الثقافة الإماراتية الموروثة، ويجمع بينها وبين الفكر الحديث، فعملت على الجمع بين التعيين والانتخابات، وبالمقارنة بين التكوين الثقافي الإماراتي والغربي لا بد أن نفهم أن تطبيق التجربة بمعطياتها الغربية سيخلق العديد من الإشكاليات المؤثرة سلباً على المجتمع. ومن هنا، جاء وعي القيادة الحكيمة في بناء تجربة جديدة تتبنى الديمقراطية بمفهوم إماراتي خالص، يستوعب المفردات الثقافية والتاريخية، وطبيعة التوجه الثقافي الواعي عند المواطن الإماراتي، ومن ثم جاءت تجربة التعيين الانتخابي، إلى جانب الانتخاب المباشر كنموذج لتجربة إنسانية وتاريخية مختلفة.
فالمجلس الوطني الاتحادي الإماراتي يتميز بالدمج بين نصف مكون من نُخبة يتم انتخابها من قلب المجتمع عبر الفرز والتدقيق واختيار للأفضل فيما يشبه حتمية الانتخاب الطبيعي الذي دائماً ما ينحاز للأصلح. والأصلح هنا ميزانه هو تحقيق مصلحة المجتمع الإماراتي كوحدة ثقافية ووطنية ذات هوية واحدة، إلى جانب النصف الآخر الذي يتم انتخابه عبر الاقتراع الشعبي وصندوق الانتخاب. ليتكون مجلس نيابي يضم نخبة قادرة على قيادة العملية التشريعية والرقابية إلى ما يحقق رؤية قيادتنا الرشيدة في تحقيق الأفضل والمستقبل الأكثر تطوراً وإشراقاً للمواطن الإماراتي.
*أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي.