في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 2023، ضربت العالم العربي مجموعة من الكوارث الطبيعية المؤلمة التي خلفت وراءها آلاف القتلى ومئات آلاف المصابين والجرحى والمنكوبين الذين أضحوا بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء ولا تعليم.

كوارث امتدت من زلازل جبال أطلس في المغرب إلى أعاصير ليبيا في درنة وما جاورها إلى حرائق غابات الجزائر المدمرة التي التهمت مساحات خضراء واسعة وأعداداً ضخمة من الأشجار، وأكلت الأخضر واليابس بلا هوادة أو رحمة. وتأتي هذه الكوارث الطبيعية المأساوية، وكأن العرب لا يكفيهم ما يلم بهم من حروب طاحنة، تدور في سوريا واليمن والسودان وليبيا والصومال وغيرها من الربوع العربية، وتلتهم آلاف الأرواح، وتدمر المنشآت العامة والممتلكات الخاصة بلا شفقة. يحدث ذلك في أوطان العرب والإنسان العربي يقف حيالها وهو غير قادر على فعل شيء تجاهها، فهو بلا حول ولا قوة أمام ما تقدره عليه الإرادة الإلهية، وحيال ما يدور من حروب هو في أغلب الأوقات كاره لها وغير راغب فيها، وتحدث لكي تنال من أوطانه ومن أمنه وسلامته ومعيشته وقوت يومه.

إن مشاهدة هذه الأحداث الدامية والمميتة للإنسان العربي، المدمرة لممتلكاته، القاضية على الزرع والضرع في ربوع أوطانه، والعيش في وسطها في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين ومجابهتها كمشاكل عربية صرفة بكل تعقيداتها وتطوراتها وتقلباتها وتداعياتها والاعتراف بها كحقيقة وبوجودها على أرض الواقع، تثير في النفس والعقل وفي الوجدان غصة غائرة وجروحاً عميقة ربما لا يمكن للزمن أن يمحوها بسهولة. لكن المهم في الأمر إزاء كل ذلك هو الاعتراف أولاً بأننا كعرب نواجه أزمة حقيقية في وجودنا إلى درجة أنه مع وجود كل التقينات الحديثة الكاشفة والمنبئة بتقلبات الطبيعة نحن لم نستفد من ذلك، ولم نستغل وجود هذه التقنيات في متناول أيدينا لكي ننقذ عن طريقها الذين لقوا حتفهم في غمضة عين.

وثانياً، يجب علينا الاعتراف بأننا كعرب أمة واحدة من واجبها التعاضد والتعاون والتكاتف والصبر سوية في مثل هذه الملمات، وبأن هذه حقيقة أزلية ملموسة وقائمة، وإنكار ذلك أو التخلي عنه بسبب ظروف أو ملمات طارئة هو في جوهره إنكار لمغزى التاريخ ورفض لواقع لا يحتمل الجدل، وتخل عن واقع هو فعلاً مرير في هذه المرحلة، لكنه واقع له حيثياته وتطوراته وتقلباته وأسباب وجوده وصعوباته ووجهات نظره الخاصة التي أعتبرها جميعاً وقتية وآنية وعابرة وسائرة إلى زوال كما سار إعصار درنة في حال سبيله بعد أن دمرها ورمى أهلها في البحر. لذلك إذا كانت هذه الصورة المتحركة للعالم العربي تستدعي اهتمامنا بعيد المدى، فإن واقع ما يمر بنا من أزمات يستحق انتباهنا، وينبغي له أن يزرع فينا الإيمان العميق بالله عز وجل، ويمدنا بشحنات صبر لا حدود لها.

الحديث في هذا المقام ينطلق من الافتراض بأنه توجد بعض النقاط لدينا كبشر نعتبر دلالات ما يحدث في أوطاننا من زلازل وأعاصير وحروب مدمرة بأنها ابتلاء من رب العالمين، وبذلك نحن الذين نقرر ما يجب علينا أن نقوم به عملياً بعد حدوثها رغم أننا لا يمكن لنا رؤية كيف يمكن أن يحدث ذلك من قبلنا كأفراد عاديين لا حول لنا ولا قوة، أو أن ما سنقوم به على المستوى الشخصي سيحدث فارقاً ملموساً في نهاية المطاف.

لكن يبقى أن المسألة تذهب إلى أعمق من ذلك بكثير، فنحن يتوجب علينا أن نكون مستعدين لصرف الحوادث السيئة من تفكيرنا إذا ما شعرنا بأنه يمكن لنا أن نقوم فعلاً بأشياء مفيدة حيالها، لكن المشكلة هي أننا كأفراد نشعر بأننا غير قادرين أن نؤثر على مسار الأحداث أو معالجة الخطوب، وبأنه مهما حدث فنحن لا نستطيع أن نفعل شيئاً لكي نصنع الفارق.

نحن جميعنا في درجات وأوضاع متفاوتة نمارس هذا الشعور العميق من التشتت الذهني. إن ذلك، وكما تخبرنا تجربتنا الاجتماعية هو جزء موروث من تنشئتنا الاجتماعية الأساسية. ربما نستطيع أن ندعو لمن قضوا نحبهم بالرحمة والمغفرة، ولمن نجى وهو مصاب الشفاء العاجل، ولمن فقد أعزة لديه بالصبر والسلوان.

*كاتب إماراتي