يواجه العالم اليوم وبعد اليوم قضايا خطيرة تواجه البشرية كلها بغض النظر عن مكانها وسكانها، إنها تواجه جميع القارات والثقافات والأعراق والأديان، وإن هذه القضايا قد أوجدت شعوراً عاماً وفكراً واحداً عند جميع البشر ألا وهو وحدة الوجود البشري ووحدة المصير الإنساني. فإذا أردت أن أضع لها عناوين مختصرة وأُحدّد مجالاتها فأقول: إنَّ أكبر القضايا التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين هي أربع وهي: البيئة والمناخ، ثم السلم العالمي والاستقرار، ثم التعاون الإنساني، ثم تطوير المعرفة لخدمة الإنسان.

وإنَّ الناظر في هذه القضايا الإنسانية الكبرى يجد أنّها أخذت الكثير من تفكير القائد الفذ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وتدبيره منذ وقت طويل، فالتفكير فيها كان المرحلة الأولى، وحسن التدبير لها ليتنزل في الواقع البشري شيئاً فشيئاً هو المرحلة الثانية.

لقد كان، حفظه الله، باستشرافه للمستقبل ورؤية القائد الحكيم لمآلات الأمور وارتباطها ببعضها، وإدراكه للنتائج اللازمة لهذه المقدمات، جعلت وضع هذه القضايا عنده من أجلّ أعماله وأهم جهوده وأشغاله، وقد أصبحت بين يديه، حفظه الله، ملفات عالمية كبرى تمس كل الدول والشعوب والأفراد في العالم كله، وأصبح، حفظه الله، المرجعية الأولى عالمياً لهذه الملفات، وبفكره يتم توجيهها، وسيكون عمله فيها وتبنيها من أعظم ما يقدمه قائد ورئيس دولة لوطنه وللإنسانية جمعاء، وسأتناولها، بحول الله، واحدة بعد أخرى وأبدأ بالأولى: البيئة والمناخ: هذا الكوكب الذي تعيش فيه البشرية بأرضه وسمائه، وهوائه ومائه، وظاهره وباطنه، ويعيش فيه عوالم أخرى، من الإنسان والطير والوحش والحشرات والأنعام، بل هناك عوالم تعيش فيه معنا ولا نراها بالعين المجردة، هذا العالم قد اهتزت أركانه وتصدعت نظمه وقوانينه في كل أجزائه وأنحائه، فأصبح الخطر فيه يأتي للبشر من حيث لايحتسبون ولايتوقعون، واختلت جراء ذلك كل عوالم الحياة من الإنسان والطير والأنعام والوحش والحشرات، ووجود هذه العوالم من غير الإنسان يرسخ التوازن الكوني وتجعله مؤهلاً للحياة البشرية ومهداً ومنطلقاً للحضارة الإنسانية، وإن هذه المشكلة الكبرى جرّاء فعل الإنسان وطغيانه واعتدائه على المهد البشري والفراش الإنساني هي أكبر مشكلة تواجه الإنسانية اليوم وبعد اليوم، فالماء الصالح للحياة يتناقص بسرعة جرّاء المخلفات الكيميائية واستنزاف المياه الجوفية، وتلويث الأجواء والهواء بالأدخنة السامة والأبخرة القاتلة السوداء والبيضاء، والتلوث الإشعاعي جرّاء الأسلحة الكيميائية، وتلويث وجه الأرض بالمبيدات الحشرية التي تلقى على المزروعات والأشجار المثمرة، والخضار والأطعمة طمعاً في زيادة الإنتاج وتحصيل أكبر الأرباح، والزحف على الغابات التي تزود الإنسان بالأوكسجين والهواء النقي، لاجتثاثها في جهات واسعة من العالم، وإن عدوان الإنسان على البيئة والمناخ ودورة الحياة الطبيعية قد سببت مشاكل وقف الإنسان عاجزاً عن حلّها وفي طليعتها التصحر من جانب والفيضانات من جانب آخر وقد يتعاقبان في مكان واحد، ثم ظهور علل وأمراض إنسانية أصبحت أوبئة تعم العالم جميعاً، وتبع ذلك اختلال إنتاج الغذاء الإنساني لاختلال البيئة، وعلاج هذه المشاكل الكبرى يحتاج إلى رؤية ثاقبة وعزيمة قوية وخطط واضحة، وهنا تجلَّت عبقرية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وأفكاره الرائدة، وأصبحت كثير من ملفات هذه القضايا ترتبط عالمياً باسمه، حفظه الله، لأنه يرعاها ويسعى في حلِّها وتقديم البدائل لاستمرار الدورة الطبيعية للحياة، فهو الآن، حفظه الله، رائد العقلاء الذين ينادون بالتوقف عن إفساد الطبيعة بكل أنواع التغيير المؤثر على الإنسان ونظام الطبيعة، وهو رائد العقلاء الذين ينادون بالتعامل مع الطبيعة باعتدالٍ دون سرفٍ ولا تبذيرٍ أو استنزاف، هذا التبذير والاستنزاف الذي حصل خلال قرنٍ من الزمان أدى إلى انقراض سلالاتٍ من الحيوانات والطيور والأحياء المائية والأسماك وغيرها، وما خلقها الله إلا لنفع الإنسان، وأدى ذلك إلى نضوب بعض الموارد الطبيعية، أو قاربت على النضوب، وهذا خسارة عظيمة للأجيال القادمة وللحضارة الإنسانية.

وأهم من هذا أنه هو، حفظه الله، الرائد الإنساني الذي يشار إليه لتجديد ما ضاع من هذه الطبيعة وإصلاح ما فسد فيها، كتجديد الغابات وتوليد الطيور والحيوانات في محميات خاصة، وتنمية الموارد في الأرض والماء والسماء، ومن جهوده العظيمة التي تفرد بها وتميزت بها هذه الدولة المباركة إضافةُ مساحات جديدة وتوسيع الرقعة الزراعية الخضراء في الأراضي الزراعية، والعمل على تنقية الهواء، والتخلي عن الأبخرة والأدخنة ومسبباتها، وعلى رأسها الوقود الأحفوري، وذلك بإنفاق سخي وغير عادي من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، لاستغلال موارد الطبيعة المتجددة والنظيفة كالرياح والشمس والمياه لتوليد الطاقة النظيفة التي تفي بحاجات الإنسان من الكهرباء وغيرها.

وقد كان لفكر الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، الريادة العالمية في ذلك، فقد نشر مزارع  الطاقة الشمسية داخل الدولة، وفي عدد من جهات العالم، ما جعل ذلك منهجاً وطريقاً عملياً لإيجاد الطاقة دون إفساد الطبيعة والعدوان عليها، هذا الطريق يقف على رأسه اليوم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وينادي به ويشجع عليه بالإنفاق السخي وإيجاد بيئات البحث والعمل، حتى أصبح القائد الإنساني الرائد في ذلك. وإنَّ اسم هذا القائد الإنساني الكبير أصبح مرتبطاً بحماية الحيوان والطير من الانقراض، فنشر المحميات التي تحقق المحاضن الطبيعية لحياة كثير من الطيور وأمثالها النادرة داخل الدولة وخارجها بدءاً من المغرب ومروراً بعدد من الدول حتى تصل المشرق وآسيا الوسطى والقوقاز، وهذا أمر لم يسبق الشيخ محمد بن زايد به أحد إلا والده المنعَّم القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، وعلى خطاه يسير الشيخ محمد بن زايد ويُعلي ويشيد ويزيد.

إنَّ رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، إلى هذا الكوكب الذي أوجدنا الله فيه وهيأ لنا فيه أسباب الاستقرار والاستمرار والازدهار، وإلى هذه الأرض كلها بأنها أمنا الحنون وبيتنا البشري المشترك، فلم يعد الخطر يخص جانباً منها وحده ويداهمه بل أصبح شمولياً يصل الجميع، ولهذا فهو يبذل جهوده بشدة – حفظه الله – للحفاظ على هذا البيت المشترك وعلى هذه الأم الحنون، لإنقاذ مستقبل الأجيال، وذلك بتشريعات داخل الدولة ستكون نموذجاً عالمياً يُقتدى به تحدُّ من فساد المفسدين الذين يهلكون الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد، وتقطع الطريق على العابثين الذين لا يدركون مآلات أفعالهم على الإنسان وتدمير الحياة.

ومن الجانب الآخر يقوم، حفظه الله، بكل جهد لنشر الثقافة الإيجابية التي تنشر الوعي بين الناس بأهمية الحفاظ على البيئة بدءاً من مدارس الأطفال وانتهاء برصد الجوائز العالمية الكبرى لابتكار الحلول والاكتشافات التي تحافظ على الإنسان والطبيعة، وهذان الجانبان متكاملان ينطلقان من رؤية كاملة للمستقبل يقدمها للبشرية كلها القائد الإنساني صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله. وإنَّ الحفاظ على الحياة والأحياء أمر تتفق عليه جميع الأديان والشرائع والعقلاء، فهو حفاظ على المستقبل أمام خطر داهم يتهدَّد الوجود برمَّته، ولهذا فهو يحرك جميع الضمائر والعقول في كل جهات العالم في هذا الاتجاه لتكوين جبهة عالمية تحافظ على مستقبل هذا الكوكب، وأدعو جميع شباب العالم خاصة ليستوعبوا هذا الفكر الإنساني الباني الذي يقدمه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ويلتفوا حوله بقوة، ويرسخوه كثابت من ثوابت الثقافة الإنسانية وقواعد التعامل البشري، ولتكن البداية الصلبة من شباب هذا الوطن.

وإذا كانت جهود القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، وجهود الشيخ محمد بن زايد من بعده قد جعلت من هذا الوطن واحة غنَّاء ومساحة خضراء تتلألأ على وجه الأرض، وترتفع نسمات رياحينها في أجواء السماء، فإنَّ رجل الإنسانية الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، يقود تياراً يتقوى يوماً بعد يوم، ويستجيب لندائه العقلاء من جميع الأنحاء ومن المستويات كافة من عامة الناس إلى القادة والرؤساء، فغدا رأيه مسموعاً وفكره مقدَّراً متبوعاً، وبذلك يسجل، حفظه الله، من فكره المشرق صفحة ناصعة لهذا الوطن ستبقى مدى الدهر تذكّر الناس بأهمية هذا الوطن وصدارته، وبعبقرية قائده الإنساني، ومن هذه الأفكار الإنسانية البناءة أصبح حضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في المؤتمرات واللقاءات الدولية ذا معنى كبير ومؤثر لأن القيادات العالمية أصبحت لديها القناعات التامة بأن الشيخ محمد بن زايد يضيف الفكر الجديد والنافع المفيد للبشرية في كل ملتقى أو مؤتمر، ومن هنا فحضوره أصبح دائماً محفوفاً بالتجلَّة والاحترام والتقدير من كل المستويات.

حفظ الله القائد الباني الشيخ محمد بن زايد الذي يفتح صفحات أملٍ مشرقة بيضاء أمام الإنسانية، وحفظ الله هذا الوطن مثالاً للبناء والعطاء.