في أعقاب الحرب الكونية الثانية التي انقضت في العام 1945، كان عدد سكان كوكب الأرض حوالي 2.5 مليار نسمة، لكن اليوم هم أكثر من أربعة أضعاف ذلك العدد.
وتشير تقديرات هيئة الأمم المتحدة للأعوام القادمة حتى منتصف القرن الحادي والعشرين إلى ما بين 9.5 مليار نسمة و10.5 مليار نسمة.
وبعض التقديرات تتنبأ بأن يصبح عدد سكان الكرة الأرضية حوالي 20 مليار نسمة مع نهاية القرن الحالي. ما يمكن رصده على المدى الزمني القادم، هو أنه مع تزايد سكان العالم بمتوالية هندسية، فإن مصادر قلق واهتمامات جديدة ستطفو على السطح بقوة، منها التدهور البيئي وتدفقات الهجرة الواسعة والسريعة وشح الموارد وزيادة معدلات الفقر وانتشار الأوبئة الفتاكة، وهي أمور ستطغي بلا شك وبشكل كبير ومؤثر على أجندات السياسة الخارجية للدول، كبيرها وصغيرها غنيها وفقيرها، وقد تدخل دول العالم أجمع في صراعات وحروب دامية لأسباب شتى.
في حين أن الكثافة السكانية ذات الخصوبة العالية في الدول الفقيرة ستزيد انفجاراً، فإن الأمم الغنية والمزدهرة اقتصادياً توجد فيها نسب خصوبة منخفضة وكثافات سكانية شبه مستقرة.
وفي الماضي القريب فقط عندما كانت الأمم تصل إلى مرحلة من الانتعاش، كانت تقوم بالشروع في رفع العديد من الضغوط الديموغرافية والبيئية عن كواهلها، لكن اليوم وإذا ما انتظر العالم الأقطار الفقيرة والمتعثرة اقتصادياً لكي تعالج مشاكلها الديموغرافية والبيئية من ذات نفسها، فإن الانتظار سيطول، فهذه الدول لا يتوقع لها أن تحقق نجاحات على هذه الصعد، حتى ولو كانت نجاحات وإنجازات ذات مستويات متوسطة أو متدنية.
إن العالم يستمع إلى تحذيرات تطلق هنا أو هناك، من هذه الهيئة الأممية أو تلك حول قلاقل بيئية وديموغرافية، لكن استجابة دول العالم لهذه التحذيرات لا تزال ضعيفة ودون المستوى المطلوب ولأسباب شتى.
والحقيقة أنه لو بقيت الاستجابات ضعيفة وأصبحت البشرية مجاملة تجاه هذه المشاكل، فإن ذلك يعود إلى أنها أصبحت متعودة ومتمرسة منذ زمن طويل على المكاره الآتية من التحذيرات المنذرة.
لكن في حين أن التنبؤات تتفاوت، فإن التحديات الجادة حقيقة قائمة ومتزايدة. البشرية تواجه أيضاً مركباً معقداً ومتزايداً من المشاكل الإنسانية، فخلال نصف قرن ونيف التي مضت تم قطع خطوات كبرى في قدرة العالم على السيطرة على الأمراض الفتاكة وتقليل المعاناة البشرية وإطالة خط عمر الأفراد، لكن التقدم على الصعيد الصحي بجوانبه كافة غير متيقن منه بعد، فالجوع ما زال يخيم على أجزاء واسعة من العالم، فحوالي مليار إنسان يحصلون على سعرات حرارية أقل كل يوم، هي كافية بالكاد لإبقائهم على قيد الحياة ويتحركون بطريقة فعّالة.
وحتى عندما يكون الغذاء موجوداً عند حد الكفاف، عادة ما تكون المياه النظيفة ليست متوافرة، لذلك فإن عشرات الآلاف من الأطفال يموتون بسبب الأمراض والغذاء غير الصحي ومياه الشرب غير الصالحة.
الزيادة الانفجارية في تدفق البشر والسلع والأفكار والخدمات حول العالم خلقت قضايا صحية جديدة أدت إلى أمرين:
الأول تقدم التعليم الصحي والعلاجي، والثاني انتشار الأمراض والأوبئة - سواء كانت «كوفيد- 19»، أو الإيدز أو الكوليرا أو أنواع الحمى والفيروسات القاتلة، والأمراض التي كانت في الأزمنة السابقة محلية وتعالج محلياً أصبحت الآن ذات نطاق عالمي.
في عالم منفتح ساعد التقدم في الصحة العالمية على شفاء البشر، وهو يحمي صحة شعوب الدول التي تسهم في هذا التقدم، و«كوفيد- 19»، هو المثال الأوضح على الاعتماد المتبادل بين الدول، بالإضافة إلى أوبئة أخرى معدية. لقد أصيب عشرات الملايين بـ «كوفيد- 19» الذي أودى بحياة 20 مليون نسمة، بالإضافة إلى ما يقدر عددهم ما بين 15 و20 مليون مصاب بالإيدز، لذلك، فإن الحدود السياسية لا تستطيع الحماية ضد هذه الفيروسات التي تنشر عبر الهواء وهي مشكلة عالمية تحتاج إلى مناهج عالمية للتعامل معها.
*كاتب إماراتي