في عالم ترسم مستقبله التقنيات الحديثة، تتسابق الدول بقوة في مضمار التقدم والتنمية، ولا يفوتها في ذلك الاستدامة، وباعتبار أن الذكاء الاصطناعي أصبح لغة العصر، فإنه يمكن أن يؤدي دوراً مفيداً في تعزيز الاستجابة لحالات الطوارئ، وتطوير الأداء الحكومي، وتحليل البيانات المتعلقة بالعوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة، ومساعدة البشرية على التكيف مع التداعيات المناخية.

ومع سرعة التطور الهائل في المجال التقني، أضحت التكنولوجيا مكوناً أساسياً في قياس مدى تطور المجتمعات وتقدمها، لذا تسخّر الدول والشركات الذكاء الاصطناعي في مبادرات الاستدامة، وهو ذاته ما ركزت عليه الدورة الـ 43 من معرض «جيتكس جلوبال 2023» في دولة الإمارات، بمشاركة أكثر من 180 دولة، على مقربة من انعقاد مؤتمر المناخ كوب28، في الإمارات، نوفمبر وديسمبر المقبلين. ويمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في جهود المواجهة المناخية، وخلق مستقبل خالٍ من الكربون، وتقديم حلول مبتكرة لمجابهة التحديات البيئية أو المساهمة في الحد من البصمة البيئية للكثير من الصناعات والأعمال، فاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الاستدامة ومواجهة التغير المناخي يشمل التخطيط واستخدام التقنيات والرقابة على تنفيذ المهام بموارد أقل وانبعاثات غازية أقل.

وفي مبادرة سبقت معظم دول العالم، تمتلك دولة الإمارات استراتيجية للذكاء الاصطناعي تهدف إلى تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية للتطلع إلى المستقبل بالرهان على العلم والتكنولوجيا، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام 2031، للارتقاء بالأداء الحكومي وخلق بيئات عمل مبتكرة، بحيث تكون حكومة الإمارات في مقدمة دول العالم من حيث استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف القطاعات.

وكنموذج في دولة الإمارات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تتعدد مبادرات حكومة أبوظبي للذكاء الاصطناعي، إذ تركز في إطار «الخدمات الحكومية» على تعزيز كفاءة المنصات الرقمية ومراكز الخدمة للارتقاء بتجربة العملاء، وفي «الحلول الحكومية» على تحقيق التكامل بين المؤسسات الحكومية، وفي «تبادل البيانات» على دعم اتخاذ القرار وتعزيز الكفاءة الحكومية، وفي «الأمن السيبراني» على حماية الأصول الرقمية، وفي «التمكين الرقمي» على ربط الأنظمة الرقمية مع أصحاب المصلحة بسلاسة.

إن قدرات الذكاء الاصطناعي في دعم مسيرة الاستدامة لا تقتصر على قطاع معين، وإنما تشمل القطاعات الاقتصادية المختلفة، في وقت تعدُّ فيه مشكلات التغير المناخي والتدهور البيئي من أبرز التحديات التي تواجه الإنسانية جمعاء، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي دوراً في قطاعات الطاقة والمياه والنقل والزراعة والصناعة وغيرها، إذ إنه يمكن أن يؤثر في كل جوانب الحياة.

وأمام هذه المزايا، هناك بعض التحديات التي يجب التغلب عليها من أجل ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة مستدامة، مثل فقدان الوظائف وإحلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي محلها، ومع ذلك، فإن إمكانات الذكاء الاصطناعي كبيرة، ومن المهم التركيز فيها على تطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة مستدامة عادلة. في النهاية، فإن الذكاء الاصطناعي تقنية واعدة تساهم في التنمية المستدامة، بتحسين الإنتاجية والكفاءة وتعزيز الاستدامة البيئية، وبناء مستقبل أكثر ازدهاراً للجميع.

*مدير إدارة البحوث والاستشارات - مركز تريندز للبحوث والاستشارات