تمثل المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050 التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة، في أكتوبر 2021، محفزاً وطنيّاً يهدف إلى خفض انبعاثات الكربون، والإسهام بإيجابية في مواجهة أزمة المناخ، ما يجعل الإمارات أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلن تطلعاتها إلى تحقيق الحياد المناخي.
وتشير الاستراتيجية إلى مجموعة من الإجراءات والسياسات الرامية إلى تحقيق الصافي الصفري لانبعاثات الكربون، وذلك بمزيج من تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (وغازات الدفيئة الأخرى مثل الميثان، وأكسيد النيتروس، وبخار الماء) والتعويض عمَّا بقي منها في الغلاف الجوي. ويمكن تخفيض الانبعاثات بالتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، ورفع كفاءة استخدام الطاقة، في حين يمكن التعويض عن الانبعاثات الباقية عن طريق تعزيز الغطاء النباتي، واحتجاز الكربون وتخزينه وإعادة استخدامه. وقد خصَّصت دولة الإمارات ما يقارب 600 مليار درهم للاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة على مدى الأعوام الثلاثين المقبلة، ولا شك في أن مثل هذه المبادرات ضرورية جدّاً للإسهام في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، وتقييد ارتفاع درجات الحرارة. 
ويمكن أن تكون سياسة دولة الإمارات للاقتصاد الدائري 2021-2031 التي اعتمدها مجلس الوزراء في يناير 2021، الرافد الرئيسي لتحقيق الحياد المناخي، إذ توفر توجيهاً شاملاً يحدد استراتيجية الحكومة في تحقيق إدارة مستدامة للاقتصاد، واستخدام فعَّال للموارد الطبيعية والبيئية، وتعزز أنماط الإنتاج والاستهلاك المستدامة التي تقلل الضغط على البيئة، وتلبي الاحتياجات الأساسية. وكذلك تشجع السياسة القطاع الخاص على اعتماد أساليب وتقنيات إنتاج صناعي نظيفة، منها تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتشمل مستهدفات سياسة دولة الإمارات للاقتصاد الدائري قطاعات التصنيع المستدام، والنقل المستدام، والبنية التحتية الخضراء، والإنتاج والاستهلاك المستدامَين للغذاء.
ويُعد قطاع التصنيع أكبر قطاع إنتاجي غير نفطي في الدولة. وتؤدي التقنيات الذكية في سياق الصناعة المستدامة دوراً حاسماً في تحسين استغلال الموارد. ويمكن استخدام الحساسات المتقدمة والأتمتة وتحليلات البيانات لرصد استهلاك الموارد في الوقت الفعلي، وإدارتها. وعلى سبيل المثال يمكن للحساسات الذكية قياس استخدام المواد والطاقة والمياه بدقة، ومراقبتها، ما يضمن تقليل الفاقد إلى الحد الأدنى، وزيادة الكفاءة. وإضافةً إلى ذلك، فإن إدامة عُمر المنتج بالصيانة التنبئية، وإدارة دورة حياته باستخدام الحساسات المتقدمة وتحليل البيانات، تُمكّنان الشركات المصنّعة من تحديد المشكلات المحتملة قبل أن تصبح حرجة، ما يسمح بإجراء الإصلاحات والترقيات في الوقت المناسب، ويقلل الحاجة إلى استبدال المنتجات باكراً، وهذا كله يدعم أهداف الحياد المناخي بتقليل الانبعاثات المرتبطة بتصنيع المنتجات الجديدة.
وعلى صعيد النقل المستدام، يكمُن جزء من الاقتصاد الدائري في الاستخدام الأمثل للموارد، وتؤدي المركبات الكهربائية دوراً حاسماً في هذا السياق، فهي لا تنتِج انبعاثات على مستوى مخرجات العادم التي تمثل 15 في المئة من الانبعاثات الكربونية بدولة الإمارات. ويعزز إنتاج المركبات الكهربائية وفقاً لمعايير الاقتصاد الدائري كفاءة استخدام الموارد وإعادة التدوير لهذه السلعة الرائجة، ما يقلل الطلب على الموارد.
وتُعد المركبات ذاتية القيادة جزءاً آخر لا يتجزأ من النقل المستدام، إذ إنها تعزز كفاءة استخدام الموارد عبر تحسين مسارات الرحلات، وتقليل الازدحام، اللذَين يقللان الهدر في الطاقة، وكذلك عبر زيادة استخدام البنية التحتية الموجودة، وتقليل الحاجة إلى التوسع فيها، وما يصاحب إنشاءَها من انبعاثات كربونية.
ومن جهة أخرى، يُهدَر في قطاع البنية التحتية بدولة الإمارات ما نسبته 10 - 15 في المئة من مواد البناء أثناء التشييد، وتمثل نفايات البناء والهدم 60 في المئة من إجمالي النفايات غير الخطِرة في الدولة. ويُعد استخدام ممارسات البناء الذكي ركيزة أساسية في البنية التحتية المستدامة، إذ تتضمَّن هذه الممارسات تقنيات متقدمة، مثل الأجزاء السابقة الصنع، والطباعة الثلاثية الأبعاد، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في البناء. 
وإضافةً إلى ذلك، فإن استعمال أجزاء أو مواد مستردَّة من إزالة مكونات البنية التحتية يقلل المفقود، ويدعم أهداف الحياد المناخي بالحيلولة دون استخدام مواد جديدة، في حين أن التصميم المستدام القابل للتوسع، الذي يطيل عُمر المشروعات، ويقلل الحاجة إلى عمليات الهدم، يسهم بنحو مباشر في جهود الحياد المناخي عبر تخفيض الانبعاثات الناجمة عن الهدم وإعادة البناء.
ويتطلَّب تمكين الاقتصاد الدائري من الإسهام الفعَّال في تحقيق الحياد المناخي لدولة الإمارات توحيد الجهود في مجال البحوث ذات الصلة به تحت مظلة واحدة، نظراً إلى أن ذلك يضمن توجيه الموارد بكفاءة، والتركيز على الأولويات، وإيجاد معايير موحَّدة، وتكامل القطاعات المختلفة، والمشاركة في البيانات، وتطوير السياسات، وبناء القدرات، وزيادة الوعي العام.
*عميد البحوث، رئيس قطاع البحوث والابتكار والمشاريع الخاصة بالجامعة البريطانية في دبي