ماذا نعرف عن الاقتصاد الكلي وما الذي لا نعرفه؟ حالياً، أقومُ وشريكي في تأليف الكتاب بمراجعة كتابنا الجامعي حول الاقتصاد؛ ومن بين القرارات التي اتخذناها التركيز على «الركود الكبير» والجائحة بدلاً من التركيز على «الكساد العظيم».

وبالتالي فقد يتوقع البعض أن أقدّم إجابة عن هذا السؤال. ولكن بدلاً من ذلك، أودُّ تقديم تمهيد قصير ليكون دليلاً لنا في الأزمات وفترات التباطؤ الاقتصادي مستقبلاً. ولنبدأ بما لا نعرفه. بشكل عام، لا يعرف الاقتصاديون متى سيحدث تباطؤ النشاط الاقتصادي. ولو كانت هناك مؤشرات جديرة بالثقة قادرة على التنبؤ بالتباطؤ المقبل، فإن هذا الأخير كان سيحدث على الفور؛ نظراً لأن اللاعبين الرئيسيين في السوق سيعمدون إلى إعادة النظر في خططهم وتقليصها تبعاً لذلك، استشرافاً للأوقات العصيبة المقبلة.

وبهذا المعنى، فإنه لا وجود لنافذة للتنبؤ يمكن للمرء أن يجرّبها. غير أن هذا لا يشكّل فشلاً لأي نظرية اقتصادية بعينها أو عيباً فيها. وكل ما هناك أن الاقتصاد بشكل عام وجد أن التوقعات جد مهمة لدرجة أن الدورات التجارية بطبيعتها شيء يصعب التنبؤ به. أما الشيء الآخر الذي لا نعرفه نحن الاقتصاديون دائماً فهو: أي نظرية ينبغي تطبيقها ومتى. ولنتأمل هنا التجربة الأخيرة مع ما سمي بـ«الانكماش المطلق». فقد توقع بعض الاقتصاديين أن يؤدي خفض معدلات التضخم من 9% إلى ما بين 2% و4% إلى ركود.

غير أنه لئن كان من الوارد أن يحدث مثل هذا الركود مستقبلاً، فإنه لا توجد أدلة كثيرة على أنه حدث حتى الآن. ثم هناك مثال آخر كثيراً ما تتم الإشارة إليه باعتباره حجة ضد الاقتصاديين، ألا وهو «الركود الكبير» الذي وقع خلال الفترة ما بين 2007 و2009. والحقيقة أن الاقتصاديين ارتكبوا بعض الأخطاء حول هذا الموضوع بالفعل، ولكنها ليست الأخطاء التي تسمع عنها عادة. ذلك أنه حينما بدأت أسعار العقار في التباطؤ ثم الانخفاض، أعلن العديد من الاقتصاديين أن هناك فقاعة عقارية. ثم سرعان ما تطورت النظرية القائلة بأن انهيار السوق إنما يعزى إلى انفجار الفقاعة العقارية، متبوعاً بانخفاض حاد في الطلب العام، متبوعاً بانخفاض في التشغيل والإنتاج.

والواقع أن الجزء الأخير من هذا التفسير صحيح. غير أنه من غير الواضح، حين ننظر إلى تلك الفترة الآن، ما إن كانت أسعار المساكن خلال فترة 2006-2007 تشكّل فقاعة. ووفقاً لمقاييس اليوم، تبدو تلك الأسعار تنبؤية، وإنْ كانت سابقة لأوانها بعض الشيء. وقد أدرك السوق فجأة أن قيمة الكثير من الأصول العقارية ستصبح أعلى بكثير - ويبدو أن التطور الأخير في تقييمات العقارات أكّد هذا الحكم.

غير أنه في 2009 - وعقب تضاعف وتواتر حالات إغلاق الرهن العقاري وتعثر البنوك - لم تكن السوق مستعدة لتقبل حقيقة أن أسعار العقارات المرتفعة كانت مبررة، إذ كانت السوق متشككة للغاية في حين كان ينبغي لها أن تكون أقل هلعاً. وقد أخطأ العديد من الاقتصاديين أيضا في فهم هذا الأمر، إلى جانب العديد من المراقبين. وكل هذا زاد من حالة الهلع الناجمة عن ذلك وفاقمها؛ لأن الخطاب كان متشائماً للغاية بشأن التقييمات العقارية.

ولكن المشكلة الحقيقية هي أن السوق كانت قد فقدت الثقة في مجموعة من أسعار العقارات المرتفعة التي تم تأكيد صحتها عموماً منذ ذلك الوقت، ربما ليس في لاس فيغاس وأورلاندو، وإنما في عموم البلاد، وخاصة المناطق الساحلية. والواقع أنه كان ينبغي للاقتصاديين أن يكونوا أقل تسرعاً في الحكم على ما يشكّل فقاعة أو لا. فقد بدا أن تفسير الفقاعة العقارية صحيحٌ على المدى القريب، غير أنه كان على الاقتصاديين أن يكونوا أكثر تواضعاً بشأن قدرتهم على تخمين مستقبل السوق واستشرافه.

والخبر السار هو أنه، حين النظر إلى تلك الفترة الآن، نستطيع إعادة تركيب ما حدث وربط بعضه ببعض. لقد ارتكب صنّاع السياسات واللاعبون في السوق سلسلةً من الأخطاء المتداخلة والمتعلقة بالسياسة النقدية، والنظام المصرفي الموازي، والهلع بشأن العقارات. وعليه، لا تتردد في التشكيك في خبراء الاقتصاد الكلي؛ لأننا كثيراً ما نخطئ على غرار سائر البشر. ولكن عليك أيضاً الاعتراف بأنه ما زال بوسعنا تقديم مساهمات قيّمة تعينك على فهم العالم.

*أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة جورج مايسون الأميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»