في مقابلة صحافية خصّ بها مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية، اعترف الجنرال فاليري زالوجني، رئيس أركان الجيش الأوكراني، بفشل الهجوم المضاد الأوكراني، نظراً لأنه على الرغم من الأهداف المعلنة، فإنه لم تتم استعادة سوى بضعة كيلومترات مربعة من الجيش الروسي. ووفقاً لزالوجني، فإن التقدم التكنولوجي وحده من شأنه السماح للجيش الأوكراني باستعادة شبه جزيرة القرم والأراضي التي خسرها منذ 24 فبراير 2022.

والحال أن روسيا تتمتع بتفوق جوي على أوكرانيا التي كان ثلث طائراتها المقاتلة، وعددها 120 فقط، جاهزةً للتشغيل في بداية الحرب. صحيح أن أوكرانيا تستطيع التعويل على الوعد الغربي بطائرات إف 16، التي من المفترض أن تصل العام المقبل، لكن في غضون ذلك، سيكون لدى الجيش الروسي الوقت الكافي لتحسين دفاعاته الجوية. ثم إنه مع تعزيز الدفاعات الجوية على الجانبين، لن يستطيع أي منهما ادعاء تحقيق السيطرة الجوية، رغم أنها استراتيجية، ولن تستطيع كييف أن تأمل في تحقيق اختراق عسكري. أما بالنسبة لسيطرة الطائرات بدون طيار، التي عبّرت كييف عن رضاها عنها، فإنها لن تكون أكثر حسماً، بالنظر إلى التقدم الروسي في مجال الدفاع الإلكتروني.

على أن روسيا متفوقة أيضاً من الناحية الديموغرافية، ذلك أن ثمة أربعة روس مقابل كل أوكراني. ووفقاً للجنرال زالوجني، فإن موسكو لا تكترث لحصيلة الخسائر البشرية لقواتها، في حين أن الرأي العام الأوكراني يضغط على كييف من أجل إنقاذ الأرواح البشرية.

وبفضل المساعدة الغربية، تمكن الجيش الأوكراني من إزالة الألغام واختراق بعض الدفاعات الروسية. لكن الجيش الروسي حسّن أيضاً قدرتَه الإنتاجية العسكرية وأضحى قادراً الآن على إعادة زرع الألغام عن بُعد، لاغياً بذلك التقدم الأوكراني. وبشكل عام، يمكن تقسيم هذه الحرب إلى ثلاث مراحل: التقدم الروسي، الذي لم يصل إلى كييف، بفضل تعبئة المقاومة الأوكرانية، ثم هجوم مضاد أوكراني فعّال جداً في نوفمبر 2022، لكنه غير كافٍ لدرجة تفضي إلى انهيار الجيش الروسي. والآن بتنا في المرحلة الثالثة من الحرب: حرب المواقع والاستنزاف.

غير أن اختراقاً تكنولوجياً وحده يمكن أن يَجعل حرب المناورة ممكنةً من جديد وأن يسمح لأوكرانيا باستعادة بعض الأراضي. والواقع أن احتمال التوصل إلى حل عسكري للصراع احتمال ضئيل، وسيكون من المستحيل تحقيق الأهداف الأوكرانية للحرب، أي استعادة الأراضي التي فقدتها كييف منذ عام 2014.

ومن هنا تتضح ملامح السيناريو الأرجح: استمرار القتال حتى يتحول إلى حرب استنزاف، حينما لن يعود هناك عدد كافٍ من المقاتلين الأوكرانيين مقارنةً بالجنود الروس. ذلك أنه إذا كان الغرب يساعد أوكرانيا مادياً ولا يرسل جنوداً، فإن الفجوة بين روسيا وأوكرانيا ستظلّ على حالها دائماً. ووفقاً للجنرال زالوجني، فإنه على الرغم من أن المساعدات الغربية منحت أوكرانيا تفوقاً كبيراً من حيث المعدات، فإن الجيش الروسي تمكن من إعادة تنظيم صفوفه منذ ذلك الحين. لكن هل ستستمر المساعدات الغربية، وخاصة الأميركية؟

وإلى متى ستستمر حرب الخنادق هذه، التي تُعد حرباً مميتةً جداً بالنظر إلى بضعة كيلومترات مربعة من الأراضي؟ وقد تقول روسيا إنها استطاعت استعادة جزء من الأراضي الأوكرانية وبأنها أيضاً استطاعت استعادة عظمتها. غير أنه حتى في حال تمكنت روسيا من الاحتفاظ بجزء من الأراضي التي استحوذت عليها بالقوة، في فبراير 2024، فإن الغرب سيتجه إلى عملية إعادة إعمار أوكرانيا ، أما مسألة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فذاك موضوع آخر تنبغي مناقشته بطريقة عقلانية وليس بطريقة عاطفية.

* مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية - باريس